هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

261: يتخرّجون يتخرّجون… وبعد؟

السبت 20 تموز 2002
– 261 –
قبل سنوات، وكنتُ أحضر حفلة تَخرُّج ابني من الْجامعة (فلوريدا-الولايات الْمتحدة)، توجَّهنا في نِهاية الاحتفال الى مدخل الْجامعة للمغادرة، ففوجئتُ بسيارتَي “ليموزين” بيضاوين تنتظران على الْمدخل، مزيّنَتَيْن وروداً وشرائط ملوَّنة، وسائقاهُما ومرافقان ينتظرون وعيونُهم صوب الْممر الذي يَخرج منه الطلاب. سألْت ابني عنهما، ملمحاً الى أنّهما قد يكونان لوالدَين متموِّلَيْن، أو من أهل السياسة، يريدان تكريْمَ ولدَيْهما الْمتخرِّجَيْن. فابتسم ابني شارحاً: “هذا يَحصل في لبنان. هنا السياسيون لا يتميّزون عن سواهم بالتشاوف. هاتان السيارتان: واحدة من شركة “إي.تي.إند تي” للاتصالات، وهذه الأُخرى من شركة “جنرال إلكتريك”. وهُما هنا لتُقِلاَّ طليعَي الدورة في الكومبيوتر والإلكترونيك، لأن الشركات الكبرى، ودوائر الدولة الْمحتاجة كذلك، تستطلع سنوياً متفوقين تَحتاجهم لديها، فتتعاقد معهم سلفاً، وتترقب تَخرُّجَهم حتى تكرّمهم بِهذا الاستقبال من أول الطريق، علامة تقدير وترحيب”.
هذه الصورة، منذ عُدت نِهائياً الى لبنان قبل سبع سنوات، تتكرر في ذهني كلما دعيتُ لِحضور احتفال تَخَرُّجٍ جامعي، حين أتابع على الْمنصات الْجامعية الْمتعددة مئات الطلاب (وهُم في مَجموع الْجامعات يبلغون آلافاً) يتخرَّجون كلَّ عام، مغادرين بوابة الْجامعة، ليدخلوا في البوابة الكبرى الْمهيبة: الْمجتمع، وتَحديداً: سوق العمل. فالْمحظوظون منهم، مِمّن ذووهم قادرون أو نافذون، يَجدون بانتظارهم مسؤوليةً أو وظيفةً أو عقداً مع شركة أو مؤسسة، بينما معظم الباقين لا يَجدون أمامَهم إلا أحد ثلاثة منافذ: العمل في غير اختصاصهم (وبراتب أدنى بكثير مما يستحقون)، أو العمل في حقل اختصاصهم (إنَما براتب ضئيل لأن التنافس شديد)، أو التوجُّه الى أقرب سفارة طلباً لتأْشيرة دخول الى بلادٍ يَجدون فيها مكاناً لاختصاصهم (أو حتى في مَجال آخر، أيّ مَجالٍ كان، لكنهم يرحلون).
هذا الكلام، لا لكي نطلب (طوباوياً) من الدولة أن تَجد عملاً لِجميع الْمتخرجين. فهذا كلامٌ غير منطقي وليست مسؤولية الدولة أن تبحث سنوياً عن عمل لآلاف الْمتخرجين. ولكن هذا الكلام لنضيء على مسؤولية الدولة في دراسة سوق العمل، ونشر نتائجها دورياً، كي يتبيّن الداخلون الى الْجامعات (عند نِهاية مرحلتهم الثانوية) ما هي الفُرَص الْمتاحة أمامهم في سوق العمل (سواء في القطاع العام أو في القطاع الْخاص) حتى يتبيّن الطلاب أي حقل اختصاص يَختارون كي يَجدوا بِـنِهاية اختصاصهم فرصاً للعمل فلا يتشردوا ولا يتسكعوا على أبواب الدول.
لا نريد تَحميل الدولة أكثر من الْمنطق، ولا نريد أن نَجعلَها مكسر عصا (ولو هي قابلة لذلك، بِما نتابعه من ارتِجال في بعض الأمور أو قصر تبصُّر في أمور أخرى) ولكننا نطالبُها بأن تضع دورياً بين أيدي جيلنا الْجديد إحصاءات وأرقاماً ومرتقبات لفرص العمل، تنويراً لأبنائنا الداخلين الى الْجامعات أو الْمتخصصين فيها. ونَحن نعلم، من جهةٍ أخرى، أنّ بعض الدول ترسل الى وزارات الْخارجية في البلدان لوائح بالأماكن الشاغرة لديها من وظائف أو عقود أو مسؤوليات أو فرص عمل، فهل نشرت وزارة خارجيتنا هذه الفرص على أبنائنا الْجامعيين؟
يتخرّجون… يتخرجون… “وبعد”؟ ما أوجع هذا السؤال على بوابة الْمستقبل!