هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

258: غوى صايغ و… عيد الموسيقى (!)

السبت 29 حزيران 2002
– 258 –
إذا كانت النمسا تباهي بأن موزارها العبقري بدأ العزف وهو في سن السادسة، فلا شك أن لبنان يباهي بعدد غير قليل من مواهبه العزفية في هذه السن أو بعدها بقليل، وإن لَم تصل تلك الْمواهب جَميعُها الى التأْليف. غير أن موزار، وهو يؤكد على ذلك في سيرته، لَم يعرف أن لبنان، بعد ثلاثة قرون، سينجب صبيّة لَم تُكمل الثانية عشرة بعد، وتعزف موزار غيـباً بأيّما مهارةٍ لا تعطى إلاّ لكبار العازفين.
غوى صايغ (مولودة عام 1989) دخلت الكونسرفاتوار في السادسة (سنة أولى بيانو)، وبعد سنَـتَين كانت تعزف في الأَسِّمبلي هول (1997الْجامعة الأميركية) وبعدها بسنَتَين في الْجامعة اللبنانية (1999كلية طب الأسنان)، وقبل أن تُكمل العاشرة قطفت في راغوزي (إيطاليا) سنة 2000 الْجائزة الكبرى في الْمسابقة الدولية للبيانو.
غوى صايغ، ليلة عيد الْموسيقى، كانت منفردة الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، فعزفت كونشرتو البيانو والأوركسترا لِموزار، بثقة وبراعة ماهرتيْن حتى الدمع، وحضور أمسك أنفاس الْحضور، وجَمَّد لُهاث الصبية التي، حين أمسكها وليد غلمية قائداً للأوركسترا واعتلاها منصة القيادة، بدت تائهةً بيْن الفرح والدهشة وتصفيق الناس وبسمة على شفتيها تسللت الى عيون الدامعين من غبطة بِموهبة لبنانية تَهل بوعد سطوع نَجمة.
نفرح بِها، غوى صايغ، نفرح كثيراً لنا وللبنان، وثقتنا كبيرة برعاية والدَيْها سوزان وأنطوان الواعيين تَماماً أية جوهرة يرعيان وكيف والى أين، وبأية مثابرة واحترافية ومسؤولية، حتى يكون لنا اسم لبناني جديد يَبلغ العالَمية.
***
وما دمنا في عيد الْموسيقى: أكان ضرورياً أن يكون العيد في لبنان على صورة ما نشهده من فوضى في كل قطاع؟ ومن قال إن هذا العيد (كما تبجحت وأبرزت صحفنا في اليوم التالي) يَجب أن يهدّ حيطان الْمدينة في الشوارع والأزقة والساحات حتى الإزعاج وتلاطم الأصوات بالأصوات وصرير الآلات بالآلات وتَهاوش مكبرات الصوت بِما يفسد السمع ويطلق الشتائِم،وتَعالي الأغاني بفوضوية لَم نعد نعرف معها من يغني ومن يردد ومن يصغي؟
ظاهرة الغناء في الشوارع نشهدها كل يوم، ونفرح بِها كل ليلة دليلاً على حيوية مدينة رائعة لا تنام. لكن لعيد الْموسيقى هيبةً وحرمةً ورقياً أبعد من انفراط الفرق الْموسيقية بين جاز وشرقي وطبول بلا ذوق ولا تنظيم.
كنا نتمنى أن يتم في عيد الْموسيقى توزيع الاحتفالات على أماكن منفصلة مُحددة ذات فرق مُحددة، كل فرقة بنوع وشكل وعزف، كي يتسنّى لرواد كل نوع أن يدلفوا الى القاعة التي يَهُمُّهم عزفُها، فيخرج رواد الْموسيقى في عيد الْموسيقى (وهو لِجميع الناس والأعمار) بذائقة فنية راقية، لا بضجيج موسيقي يأْلفه الناس يومياً في الْمطاعم والْمقاهي والكباريهات، كمن يكون نقل الكباريه الى الشارع بِحجة أن هذا “عيد الْموسيقى”.
الفن ابن التنظيم. وكل فنٍّ في الشارع يبقى ابن الفوضى مهما انتظم. والقيّمون على عيد الْموسيقى، من أية جهة كانوا، فشلوا في جعل هذا العيد بعيداً عن مستوى الكباريهات. وهذا عيب وعار.