هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

255: تسليع جسد المرأة في الإعلانات

الخميس 6 حزيران 2002
– 255 –
هل من الضروري، كلّما أراد معلن لفت النظر إلى سلعته التجارية، أن يستخدم لها جسد المرأة في وضع مثير، أو جسدها عارياً إلاّ من وريقة إعلان؟
هل من الضروري استخدام جسد المرأة العاري لتسويق حذاء مرة، وشراب مرة، ومستحضر تجميل مرة، ومستحضر تجميل مرة، ومستحضر تدليك مرة، أو أية سلعة تجارية لا علاقة لها بالجسد ولا حتّى بالجمال؟
لا نأتي إلى هذا الموضوع من باب الحشمة أو التبشير الديني أو الحفاظ على تقاليد. فنحن مع كل تطور، ونحن مع مواكب العصر، ونحن مع كل إعلان ذكي يلفت إليه ناظره. ولكننا نأتي إلى الموضوع من باب تسليع جسد المرأة واسترخاصه في هذا الشكل وتعهيره إلى هذا الحدّ من وقاحة تطالعنا يومياً على نواصي الطرقات في لافتات كبيرة مضاءة تلفت إليها من بعيد، ويُحملق فيها أولادنا الذين نسعى إلى إبعادهم عن المحطات الفضائية البورنوغرافية ثم نطلق لخيالهم وساعة الافتراضات في لافتة كبرى على مدخل مدرستهم.
جسد المرأة العاري ليس جميلاً فحسب، وليس أنيقاً فحسب، بل هو نعمة يعطاها الرجل لعينيه وروحه وقلبه وأحاسيسه، إنما في لحظات حميمة تنقلب هي نفسها إلى لحظات عاهرة حين تفقد تلك الحميمية. وإذا كان الإيروتيسم من الفن العالي (الكابيلا سيستينا في الفاتيكان، مثلاً) فإن لمسة واحدة أو “وضعاً” واحداً يأخذ هذا الفن إلى البورنوغرافيا، وهذه هي من القرف والنذالة والعهر ما تتحول معه اللحظة السامية إلى بغاء.
إن إعلان فنّ، ولكنه حين يتحوّل إلى قرف ينعكس سلباً على المعلن والمادة الإعلانية. فهل من الضروري أن يكون في الإعلان صهر يشتم حماته، أو حماة تشتم صهرها، للإعلان عن سلعة استهلاكية تستعمل النكتة الشائعة (السخيفة) عن الحماة والصهر والكنة؟ إلى هذا الحدّ من الابتذال الرخيص التافه المقرف وصل الإعلان، لأن كاتب النص ضحل الخيال، أو فاقد الذوق، أو هابط المستوى، أو بذيء التفكير؟
عبارة واحدة ذكية في إعلان تشد الزبائن إلى السلعة التجارية أكثر من تسليع جسد المرأة العاري، أو شتم الحماة والصهر، أو تحويل اللافتات الكبرى على نواصي الشوارع إلى صفحات “بلاي بوي” أو مشاهد مقززة رغم ما في الجسد العاري على اللافتة من جمال وتناسق وإثارة.
وإذا كان الرجل (في هذا المجتمع الذكوري) يرفض أن بيان سنتيمتر واحد من أية منطقة “حميمة” في جسد زوجته أو حبيبته، فكيف يرضى بتلك المنطقة “الحميمة” (الشبيهة بما لدى امرأته) معروضة على ناصية عالية تلتقطها العين ولا تعود تنتبه إلى الإعلان ولا إلى السلعة الاستهلاكية موضوع الإعلان؟
ألا تكفي ذكورية الرجل ما يمارسه من قهر على المرأة في الكثير من حقوقها، حتّى يعرض جسدها العاري بهذا الشكل الوقح العاهر؟ إن في الخفر إثارة تلميحية أقوى من كل استعراض، فليعمد إليه الرجل، كي يضمن لرجولته كرامة، بدونها تتطلب رجولته الإعلان عن سلة النفايات.