هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

242: بقلم أنطون قازان

9 آذار 2002
– 242 –
في ندوة “جَمعية أهل الفكر” استذكاراً للغائب أنطون غطاس كرم (جامعة سيدة اللويزة) تركز الكلام على الأدب الْجمالي (من خصوصيات الأدب اللبناني) في “كتاب عبدالله”، وأهمية هذا “الأدب” في تَمايز أدبنا.
وفي ندوة “الأوديسيه” قبل أسابيع يوم خَمسينية فؤاد سليمان (جامعة البلمند)، ركَّز الدكتور علي شلق في كلمته على أدبٍ جَماليٍّ “سلَّمه” أمين نَخلة الى رعيل خيِّر كان في طليعته فؤاد سليمان وأنطون قازان.
وفي لائحة كتب تعمل “دار الْمكشوف” على تسويقها لآخر ما بقي لديها من مَجموعات، باقةٌ مباركةٌ من رعيل الأربعينات الذي أسَّس لـ”أدب لبناني” جَمالِيٍّ سطعت تأْثيراتُهُ قويةً متجليةً بوضوحٍ في أدب أنطون قازان.
هذا الذي نثر كتاباته على الْمنابر وعلى صفحات الصحف والْمجلات، ولَم يتسنَّ له أن يراها مَجموعةً بين دفّتين (حتى تَم ذلك ثلاثاً بعد غيابه) هو اليوم في عنوان هذا الأدب الذي، لكثرة ما فيه من حلاوة، اختلف الناس على تصنيفه بيْن الأنيق اللفظي والعميق الْمضموني، بين نسيج لغوي يَحترم خصوصيات اللغة ونسيج براني يَخاله البعض بديعاً شكلانياً لا يستاهل ارتياده، حتى ليصبح خارج التداول.
أنطون قازان (10 آذار: ذكراه التاسعة والعشرون) هو النموذج الأوضح للجماليا في الأدب، على خلفية متأصلة في البحر اللغوي، وأرضيةٍ متجذرة في الأُصول البلاغية، وأفق مفتوح على وساعة ما تتسع له اللغةُ حين يرتادها فارس يعرف كيف يروّض فرسه، وفي هذا صعوبةٌ يندر الإتيان بـمثلها حين يكون الْمعيار ارتقاء الأديب الى أعلى مراتب الْجمال (شكلياً و مضمونياً)، ليبلغ في أصالته مستوى الشمولية الفنية.
صحيح أن الفطريين (من الفطر) كثيرون في هذا اللون الأدبي حتى ليغدو ارتيادهم إياه أذية له (كما في سائر الفنون الأدبية: يدخل عليها طارئون أو مقلِّدون فيفسدون صورة الأصل الْمبارك)، لكن الثابت أن الْحداثة الْحقيقية في الأدب هي التي لا تتنكّر للأصول، بل تنهل نضارتَها اليوم من نضارة الأمس، فيكون التجديد من الداخل الى الداخل، لا من الْخارج الى الداخل في تلقيح اصطناعي يَجعل اللون الأدبي تقليعة (موضة) لا تأْصيل الأُصول الْحقيقية.
أنطون قازان، في كل ما كتب، ظل ينهل من بيدر الْجمال، فلا جرأة إلاّ صوب الأجْمل، ولا اقتحام إلاّ صوب الأحلى، وليس يضير قلمه أَنْ لَم يركب موجة العقوق، بل ظلَّ يسطِّر نثراً هو من النحت النابض الْجميل ما جعل النثر قيمةً جماليةً في ذاتها، يَجدر التجديدُ فيها الى أقصى الْحدود، حتى أن مُغامراً عبقرياً كأنسي الْحاج اقتحمه ليقول أَنْ، بَلَى، “يُمكن من النثر، هذا الْمحلول الْمرخي الْمتفرّق الْمبسوط كالكف، أن تَخرج قصيدة”. غير أن جرأة أنسي، في اقتحاماته، أبقت إقراره بالْجمال، ولَم تَمنعه من الاعتراف بأن “سعيد عقل ظلَّ أربعين عاماً يرفض أن يتبشَّع”.
ذلك أنَّ الْجمال، شكلاً ومضموناً، فنٌّ صعب لِمن يقتحمه. وأنطون قازان، في هذا، نسيج متفرّد لأدب يصعب تقليده فيشاح عنه، ليظلَّ قصراً على نُخبة أصيلةٍ حقيقيةٍ في الأدب اللبناني، يبقى أنطون قازان عنوانَها الأبهى.