هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

213: درس بولوني في المقاومة الثقافية

الخميس 9 آب 2001
– 213 –
قال لي : “في أصعب أيام بلادنا اقتصادياً، كان النشاط الثقافي عندنا في أوج ازدهاره. طوال 150 عاماً كنا رازحين تحت ثلاثة احتلالات : روسي ونمساوي وبروسي (ألماني)، وحاز مبدعان عن عندنا جائزة نوبل للآداب، هنريخ شينكيفيتش (عام 1905 عن روايته الشهيرة “كوفاديس”)، وستانيسلاف رايمونت (عام 1924 عن روايته “الفلاحون) وفي كل الروايتين مقاومة أدبية وصفت واقعنا تحت الاحتلال وشحنت نفوس شعبنا لمقاومته”.
وقال لي : “جزء كبير من صمود شعبنا كان بفضل تماسكه ثقافياً وإقباله على النشاط الثقافي (الموسيقى، الكوريغرافي، المسرحي، الشعري الأوبرالي…). كان كل شعبنا يقبل على المسارح وصالات الكونشرتوات، وكانت الثقافة موحدة شعبنا في التطلع إلى الإبداع الثقافي عندنا على أنه علامة الحياة. حاول المحتلون تفرقتنا فصائل كي ننسى أننا شعب واحد، لكننا لم نتفرق ولم ننسَ لأن الثقافة كانت توحدنا، وكان شعبنا يتابع النشاطات الثقافية الإبداعية على أنواعها، ويتثقف وينضج، مما ساعده على الصمود وتحمل المراحل الصعبة ووعي أنه شعب عريق ذو تاريخ مجيد، ويجب أن يظل يعمل على استعادة حريته واستلاقله ومجده”.
وقال لي : “في عز الاحتلالات برز عندنا شوبان، وتحت الاحتلالات بنينا دار أوبرا وارسو، وأوجدنا أوركسترا وارسو الفيلارمونية، وبرع عندنا رسامون ونحاتون أنتجوا أعمالاً عن بلادنا وعظمتها وتاريخها العريق فأبقوا شعبنا واعياً جذور بلاده، وكان عندنا شعراء كبار اغتذى شعبنا من قصائدهم. وحين استقلت بلادنا عام 1918 كان شعبنا مهيأ بفضل وحدته الثقافية قبل نتاجه الاقتصادي والصناعي مع أننا بلد صناعي”.
وقال لي : “خلقنا من الثقافة مقاوزمة، وساهمت الثقافة في توحيد شعبنا كله حزمة أمل واحدة بإعطائه زخم أنه شعب عريق ذو تراث لا يمحوه احتلال ولو طال، وأن الأرض إن لم تتحرر عاجلاً، فسوف تتحرر الأمة كشعب وتراث دائمين سواء على تراب الوطن أو في عالم الانتشار، لأن المغتصب المحتل لا يقوى إلا على احتلال الأرض، ولا يستطيع أن يحتل الشعب والتراث، حتى لو هو تمكن من إغراء ضعاف نفوس، أو شراء صيادي فرص، أو ترغيب أصحاب مصالح سياسية انتخابية رخيصة خيانية أبواقاً له : ممن يستسلمون أمامه ويستزلمون له ضد شعبهم. لكن هؤلاء الخونة بائعي شعبهم، ينتظرهم الشعب عند أول فجر حتى يقاضيهم ويلقنهم درساً على خيانة الوطن”.
وقال لي : “فيما كان على أرضنا 100 ألف جندي روسي، كان النشاط الثقافي عندنا في أوج ازدهاره، عبر الأعمال السينمائية والمسرحية والموسيقية، وأسسنا 20 أوركسترا فيلارمونية، وبنينا دور أوبرا، وخمس أوركسترات لموسيقى الحجرة، وفاز من عندنا شاعران (ميتووش وشمبورسكا) بجائزة نوبل للآداب”.
وختم قائد الأوركسترا البولوني : “وحدها المقاومة الثقافية جعلتنا موحدين على هدف واحد : التحرير”.
ومنه إلى شعبنا الذي يلحس المبرد بمتابعة سياسيين يمارسون وقاحتهم في برامج ال”التوك شو” التلفزيونية.