هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

201: أدلّة شعبيون للسياحة في القاهرة

الخميس 10 أيار 2001
– 201 – القاهرة
أول مابادرني به سائق التاكسي قبل انطلاقه بنا إلى الأهرام: “أربط حزام الأمان يا فندم. القانون عندنا صارم: السائق ومن جانب السائق”. وانطلق بنا أحمد (في أواخر العقد السادس) إلى الأهرام (الجيزة) منطلقاً كذلك في الكلام على عاصمة بلاده بكل اعتزاز: “هذا الجسر، يا فندم، اسمه “كوبري 6 أكتوبر”، طوله 26كلم، يمر فوق معظم شوارع القاهرة، وهو يوفر علينا زحمة سير خانقة. وهذا هناك: قصر النيل، الفنتدق الفخم الذي ينزل فيه كبار الزوار. وهذه حديقة الحيوانات الكبرى، وهذا هنالك مبنى البرلمان”. ولم يسكت أحمد طوال الطريق (نحو 40 دقيقة) وهو باعتزاز وفخر شديدين يشرح لنا معالم من القاهرة، كأنه دليل سياحي لا سائق تاكسي.
عند الأهرام نترجل. ليس مسموحاً للتاكسي دخول الحرم. يهرع إلينا فتى دون الخامسة عشرة: “كاريتا يا فندم”؟ لم نفهم، شرح: “حنطور يا فندم. حنطور بحصان واحد يتسع لثلاثة ركاب”. استهوتنا الفكرة. فـ”تَحَنْطَرْنا”.
طوال الطريق، و”الحنطور” يَتَسَحْلَف ببطء تصعيداً بين الأهرامات، لم يسكت الفتى حسنين عن كلام كان اعتزازه بإلقائه أبلغ علينا من مضمونه الذي نعرفه: “نحن هنا، يا فندم، بين خمسة آلاف سنة من التاريخ. هذا هرم خوفر. إنه الأكبر، يعلو 137 متراً وهو من عجائب الدنيا السبع. وهذا هناك هرم خفرع يعلو 136 متراً، وهذا هنالك هرم منقرع أو ميكارينوس يعلو 66 متراً. وفي البعيد تحت: أبو الهول، طوله 57 متراً ويعلو 20 متراً، يمثل الإله خفرع ساهراً على مدينة موتاه. وهو يمثل الشجاعة (بوجهه الصارم)، والقوة (بجسم الأسد) والجمال (بشعره المتهدل). كل هرم لستغرق بناؤه عشرة سنوات. حجارتها من الأقصر وأسوان وجبل المقطم. وهذه البيوتات الصغيرة هنا وهناك هي لعمال الفراعنة. وهناك، هذا البيت المغلق، فيه مركبة الشمس، كانوا يستعملونها وهي تسبح بالحجارة في الماء، كي يبنوا الأهرام. مركبة الشمس فريدة في العالم، فاهم سيادتك”؟ وكان يردد “فاهم سيادتك”؟ بين كل كلمة وأخرى كما ليسترعي انتباهي فلا أشرد من الحنطور إلى التطلع بعيداً من دون أن أستوعب كلامه.
وبين مئات السياح عند قواعد الأهرامات الثلاثة، كنا نترجل من الحنطور فيتبرّع حسنين فوراً بالتقاط صرو لنا، بكل حماسة وبشاشة، كحماسته في شرح معالم الأهرام. وكان يجول معنا بين الأهرام وعند أبي الهول حيث أدهشني بترديد قصيدة أحمد شوقي التي يختمها بقوله: “تحرك أبا الهول، هذا الزمان تحرك ما فيه… حتى الحجر”.
على مدخل مطعم “الباشا” (باخرة في النسل) طالعنا مسؤول الاستقبال: “أهلاً وشهلاً يا باشا. توّرتم المطعم الذي نحتفل بمرو مئة عام على تأسيسه عام 1901. هل تريد سيادتك الجلوس في الداخل أو على الماء مباشرة”؟
الباقي تفاصيل. والكلام الذي سمعناه في التاكسي وفي الأهرام لم يكن جديداً علينا كمعلومات. الشاهد من كل ذلك أن أحمد سائق التاكسي، وحسنين سائق الحنطور، وموظف الاستقبال في المطعم، كانت لهم بشاشة واحدة وحماسة واحدة: الترحاب بالسياح الذين يشكلون في بلادهم ثروة وطنية.
بلى: السياحة ثروة للبلاد حين تحسن الدولة تصنيعها بميزانية سخية محترمة لا تقنين فيها، ولا… “تقشّف”.