هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

197: يوم صمت سياسي

الخميس 12 نيسان 2001
-197-
كنا في “تلال” زحلة، نهاية الأسبوع الماضي، أمامنا السهل منبسط في هيبة، وشمس البقاع دافئة ربيعية، ومضيفنا الصديق رامي الرامي مسترسل في حماسته لمشاريع تكنولوجية وصناعية تزيد من زرع الأمل في النفوس.
ودار الحديث على الحوار الذي أجرته زميلتنا وردة مع منصور الرحباني (صباح السبت الماضي في “صالون السبت” من “صوت لبنان”) وكيف كسرت طوق استضافتها سياسيين (في غالبيتهم تنظيريون ثرثارون)، فجاء حديث منصور الربحاني- ولو في السياسة- يضيف بُعداً آخر إلى الرأي السياسي، لأنه نابع لا من أهل السياسة، بل من فنان له في أعماله المسرحية والشعرية الغنائية مواقف حادة حاسمة حازمة على مستوى الفكر الوطني، أرقى وابقى وأنقى من مواقف سياسية آنية راهنة مربوطة بحدث في الوطن أو بحالة أو بوضع معين.
فجأة، سكت رامي الرامي. وبعدما ساحت عيناه في سهل البقاع أمامنا، عاد بهما ليقول كما بكشف مفاجئ: ماذا لو قررت وسائل الإعلام “يوم صمت سياسي”، لا تذيع فيه أخبار السياسيين ولا الأحداث السياسية ولا المجريات السياسية ولا التصريحات السياسية ولا المواقف السياسية، واستعاضت عنها بأخبار الفن والفنانين في لبنان والعالم، من موسيقيين وشعراء وتشكيليين ومطربين ومسرحيين وسينمائيين وأدباء ومثقفين ونواد وجمعيات، وراحت تزور الغاليريات وصالات السينما والمسارح وتتحدث مع الناس في انشغالاتهم الأخرى غير الهموم السياسية؟!
“يوم صمت سياسي…”! الفكرة تصدم، لكنها ليست مجانية.
فبعدما قرف الناس مما يسمعونه ويشاهدونه يومياً بين تصريحات وتصريحات مضادة، وبيانات وبيانات مضادة، ومواقف ومواقف مضادة، واستفزاز واستفزاز مضاد، وتشنيج وتشنيج مضاد، وأحاديث “توك شو” تلفزيونية وغذاعية يتبارى فيها “بيت بو سياسة” ضدّ بعضهم البعض كالديوك يتلاطمون ويتشاتمون ويتناظرون ويتبادلون التهم والمسؤوليات والتبعات، وكل واحد منهم يدافع عن مواقفه أو عمن يقفون وراء مواقفه (على اعتبار أنهم- من غير شر- نادراً ما يمثلون أنفسهم بل في معظمهم يمثلون اصوات أسيادهم من يوضاسيي الداخل أو يوضاسيي الخارج)، وفي النهاية يصاب المواطنون بالخيبة والقرف ويكيلون لهؤلاء السياسيين كل أنواع الشتائم والغضب والسباب.
“يوم صمت سياسي”… ويرتاح الناس من سياسيين باتت وجوههم وأصواتهم في معظمها تثير الاشمئزاز لأن الناس يهمهم الرغيف والمدرسة وأيام داهمة، أكثر من الإصغاء إلى من يفترض أنهم يمثلون الشعب لكنهم لا يعملون شيئاً لاقتصاد الشعب ومستقبله وخلاصه من ورطة أكبر من حجم السياسيين معالجيها.
“يوم صمت سياسي…”، فيصحو الناس وأيديهم ليست على قلوبهم مما تضمره لهم تصريحات سياسيين تزداد إمعاناً في شرذمة الناس وتجييش الشباب وشحنهم بتظاهرة هنا وتظاهرة هناك، وشعارات متناقضة هنا وهناك.
“يوم صمت سياسي…”! معه حق، رامي الرامي، فما رأي وردة، ولو مرة واحدة، بـ”صالون” بعيد عن السياسة، و”المجالس بالأمانات” بعيدة عما “يغدقه” علينا سياسيونا من “مجالس” و”أمانات”؟