هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

193: لأنهم كلّهم “ضفدع”

الجمعة 16 آذار 2001
– 193-
شكراً ألكسندر نجار على نصه المسرحي الجديد “الضفدع” (شاهدناه أخيراً على مسرح “مونو” في إخراج واقعي متين من برج فازليان) لأنه سلّط الضوء على جرح بالغ في مجتمعنا، موجع عند حصوله لكنه يؤكد، مع مرور الوقت، أن الرقيب سخيف غبي يسقط عقده النفسية (بالقاموس الفرويدي) على ما بين يديه من نصوص أو ملفات.
فالنائب العام أرنست بينار صورة نمطية للرقيب الذي يتولى ملاحقة الأدباء والشعراء في أي عصر، مرة مدفوعاً بضغط الوشايات حوله (كدواة سيف الدولة جارحة جبين المتنبي، بتأثير من أبي فراس وشلته) ومرات مدفوعاً بغرائزه البشعة والمريضة، لتشويه صورة الأديب والشاعر، أو للقضاء (بل محاولة القضاء) على النص الإبداعي.
ولنا في الفترة الأخيرة نماذج من سطوة الرقيب مدفوعاً بأكثر من غريزة (دينية أو مذهبية أو “أخلاقية”…): من منع “النبي” لجبران (مصر)، إلى “وليمة لأعشاب البحر” لحيدر حيدر (مصر)، إلى كتابات ليلى العثمان (الكويت)، إلى “حديقة الحواس” لعبده وازن (لبنان)، إلى غناء مرسيل خليفة “أنا يوسف يا أبي” (لبنان)، إلى كل ما سمعناه وقرأناه وتابعناه في هذه الدولة أو تلك، حيث الرقيب سيف مصلت على أقلام الشعراء والأدباء.
ما قام به ألكسندر نجار في مسرحيته “الضفدع” (أو “البشع” أو “القبيح”، بلكننا نفضل ترجمة “الضفدع” لما تنطوي عليه من دلالات في السياق)، إنه- وهو المحامي الثقيف إلى موهبته العلية ككاتب- أخرج أرنست بينار من الظل، وأبرزه أمام الناس كي يحتقروه ويتخذوه صورة نمطية لكل رقيب ينصب مركزه سلطة ترهيب على الأقلام.
فالقصائد الست الممنوعة من “أزهار الشر” ليست أخطر ما كتب بودلير في مجموعته، والمشاهد المحظورة من “مدام بوفاري” ليست أخطر ما كتب فلوبير. لكن الحظر جاء تثبيتا لحضور الرقيب (كسوط ترهيبي) أكثر من تحججه بخطر النصوص الشعرية أو الروائية “على الأخلاق” التي يحرص عليها الرقيب باسم الشعب والرأي العام (أو الدين، مثلاً، في سنواتنا الأخيرة)، بينما هذه النصوص ضالعة في اختراق التاريخ حتى بلوغ قلب الحقيقة.
وغذا كان التاريخ قد أثبت صحة نظرية غاليليو في أن الأرض تدور حول الشمس، داحضاً ادعاء “الرقيب” يومها حين جر غاليليو إلى المحاكمة لكونه ناهض نظرية يشوع بن نون الدينية اليهودية، ما كان في زمانه “تجديفاً على القيم الدينية” (وما أشبه حماة “الدين” اليوم بأولئك الظلاميين أيام غاليليو) فإن مكنسة التاريخ جرفت (وستجرف) كل “ضفدع” يدعي “حماية الناس في المجتمع ومشاعرهم الدينية والأخلاقية”، ليبقى العمل الإبداعي (شعرياً أو روائياً أو علمياً) مخترقاً سنوات الظلامية وعصور الجهل إلى فجر الحقيقة الذي قد تحجبه غيوم الغباء السوداء لكنها لا تؤخر طلوعه ولو بعد حين، ولو متأخراً، من خلف الغيوم. إن هذا “الضفدع” التاعس، ليس أقل جهلاً من ذلك الديك الجاهل الغبي الذي توهم أنه، بإمساكه عن الصياح، يؤخر طلوع الصباح.
لكن مجد الشعراء والمبدعين أنهم هم الفجر والصباح، وليمت قهراً جميع الديكة والضفادع.
شكراً، مرة أخرى، ألكسندر نجار.