هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

191: عودة “الأوديسـِّـيه”

الخميس 1 آذار 2001
– 191 –
الأصدقاء الذين تقاطروا بتلك الكثافة المربكة (فاضوا عن عدد المقاعد والكراسي) مساء أول من أمس الثلاثاء لمشاركتنا الاحتفال بعودة مجلة “الأوديسيه” إلى الصدور، ملأوا ضميري مسؤولية بقدر ما ملأوا قلبي حبوراً وغبطة.
ليس سهلاً أن تستقبل هذا الحشد الكبير من الناس، وتظل حيادياً أو مجرد مغتبط أو سعيد. الحشد، يعني أن الناس مؤمنون بك، وعليك أن تظل على مستوى ثقتهم وإيمانهم فلا ترتكب خطأ ولا تخطئ في تصرف أو تأتي بغلط.
ربما هذا جزء من ترددب كي أقرر العودة إلى إصدار “الأوديسيه”، واليوم أحسّني على صواب ومسؤولية.
الصواب أن بات لـ”الأوديسيه” اللجنة والمجلة جمهورها النخبوي، والمسؤولية أن أظل على حجم ثقته.
لذلك قلت إن “الأوديسيه” عادت بعد خمس عشرة من انتظاريها (1985-2000) لتعيد إليّ نسج صفحة جديدة من الحلم القديم، وتكون منبراً لأخوتي الشعراء، مجلة تفتح صفحاتها الأنيقة لشعرهم الأنيق، على مستوى أصواتهم والتجارب، على مختلف ألوانهم الشعرية، مستأنفة رسالتها الشعرية الأدبية، خادمة في هيكل الشعر، لا معيار لها سوى الشعر الشعر، بصدق تجربته الشعرية، سواء يواصل تقليداً أصيلاً، أو يقول جديداً ينطلق من تجديد الإرث الشعري، أو يتوغل في تجربة تسعى إلى بلوغ جديد.
المهم أن تحمل “الأوديسيه” إلى قرائها كل عدد باقة من أجمل الشعر. معيارها في النشر ألا يكون اختيارها فئوياً، لأنها تعتبر أن لكل فن شعري أو شكل شعري قراءه، ولا يحق لها أن تتخذ موقفاً مع فئة من القراء دون الفئة الأخرى. فليست مهمة “الأوديسيه” أن تمدرس الشعر أو تمذهب القصائد أو تعلن معارك أدبية ثبت مع الأيام عقمها وعقم منظريها، ولم يبق من غبار تلك المعارك الكلامية (النقدية ظاهراً) ألا ما هو جدير إبداعياً أن يكون بلغنا.
إذاً، لا تتعصب “الأوديسيه” لنظرية، أو تشيح عن تيار، بل تحمل المادة (مختارة) وتقدمها (منتقاة) لواضعي النظرية (ونظيفة) لمنظري التيارات. إنها إذاً مائدة شعرية ذائفة تجمع مختارات من الأجمل، وتضع في متناول القراء والنقاد والباحثين ما (بدونها) قد يكلفهم جهداً ووقتاً في البحث والتنقيب واقتناء عدة مجموعات أو مراجع شعرية للوصول إلى الباقة المنتقاة التي يضمها عدد “الأوديسيه”.
ولأنها تصدر بنت مطلع القرن الحادي والعشرين، لا يجوز إلا أن تكون مواكبة لعصرها. لذا أنشأها لها موقعاً على الإنترنت يوصل قصائد شعرائها إلى آخر الدنيا، وبريداً إلكترونياً يصل قراءها بها في ثوان. وما أروع أن يواكب الشعر التكنولوجيا، مسخّراً إياها في خدمته وخدمة الشعراء.
عادت “الأوديسيه” بعد طول انتظاريها، لتكون على مستوى منتظريها وشعرائها وقرائها، فتستأهل أن ينشر فيها الشعراء، وأن تصل أنيقة إلى مكتبات القراء وشاشاتهم في أقصى أقاصي العالم.
وهي بنت العصر عادت، فحري بنا أن ننشرها بوسائل العصر، وننشر فيها ما يليق فعلاً بأن يكون سائغاً لقراء العصر.