هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

187: هذا “النشاط الرسمي” في نشرات الأخبار

الخميس 1 شباط 2001
– 187 –
لم يدرك الإعلام (الرسمي خاصة، والخاص بشكل عام) أن الناس (مستمعين ومشاهدين) باتوا يملّون ويمجّون نشرات الأخبار التي أصبحت متشابهة في النبرة والشكل والمضمون، وأن ما يشد الناس إلى جهاز الراديو أو شاشة التلفزيون ليس حب الاستماع للاطلاع والاستمتاع بل البحث عن بصيص أمل في آخر النفق وسط هذه العتمة التي تحاصرهم وتقتل فيهم الأمل وتدفع بأبنائهم إلى الهجرة غير آسفين وغير ملتفتين برهة إلى الوراء ولو بعاطفة نوستالجية.
لم يدرك هذا الإعلام أن نشرات الأخبار باتت رتيبة مملة مزعجة وهي تنقل إلى الناس في أكثر من نصف وقتها لائحة استقبالات المسؤولين، تحت عنوان “في النشاط الرسمي” المفروض أن فيه ما يهم الناس أن يعرفوه عن مصير البلاد وشؤونهم الملحة الضاغطة، لا أخبار من زار من، ولا من استقبل من، ولا نشاطات هذا المسؤول الروتينية التقليدية، أو زيارات ذاك المسؤول البروتوكولية، ولا تصريح هذا السياسي حول مواضيع لا تهم الناس أو هي تهمهم لكنهم لم يعودوا يثقون بتصاريح السياسيين لأن معظمها معلّب معلوك بلا طائل.
ألا يكفي الناس برامج الـ”توك شو” السياسية التي باتت بليدة متكررة بالوجوه ذاتها والمواضيع ذاتها والآراء ذاتها والتكاذب السياسي ذاته وعرض العضلات ذاته ونشر الغسيل ذاته والأقنعة على وجوه السياسيين وعلى كلماتهم وعلى مواقفهم التي تلعب لا على عواطف الناس بل على غرائزهم الطائفية والمذهبية والفئوية والمحسوباتية؟
ألا يكفي الناس قرفهم من الأداء السياسي منذ سنوات وأجيال، حتى يطوف عليهم الإعلام بوجوه سياسيين يدلون بتصاريح، وسياسيين، يتبادلون الزيارات، وسياسيين يقيمون الولائم، مما يستغرق نصف نشرة الأخبار بل أكثر؟ ألا يكفي الناس امتعاضهم من تكرار إياها والوجوه إياها والاجتماعات إياها والتصريحات إياها، حتى يجعل الإعلام نشرة الأخبار معرضاً ثقيلاً لتحركات السياسيين إياهم، فلا يكادون يغيبون عن نشرة الأخبار حتى يطلوا برؤوسهم وأصواتهم من البرامج السياسية في مناظرات وعرض حالات ومبارزات مقرفة معيبة؟
ألم يفهموا، بعد، من عقمهم وانفضاح أمرهم وتخبئة رؤوسهم في الرمل كالنعامات الجاهلة؟
ألم يخجلوا، بعد، أن كلامهم لم يعد يقنع أحداً، وأن وجوههم لم تعد محببة عند أحد، وأن أصواتهم التي تطل من الشاشة أو المذياع باتت ممجوجة مكروهة مرفوضة؟
ألم يفهموا، بعد، أن اعتبارهم الشعب اللبناني فئران مختبرات يجرون بها اختبارهم هو تفكير مريض خاطئ؟
ألم يفهموا أن ما يرونه هادئاً حولهم قد يكون رماداً هادئاً لأن الجمر تحته لا صوت له ولا حركة؟
ألم يفهموا، بعد، أن ليس في التاريخ “باستيل” واحد، وأن كل شعب مهيأ أن يكون شعب “الباستيل”؟
ألم يفهموا أن الشعب اللبناني ليس مجموع غرائز سياسية يداعبونها كلّما شاؤوا وكيفما شاؤوا، بل هو مجموع غضب سينفجر على رؤوسهم فيطيحها بأسرع من مقصلة 1789؟
سر الانفجار أنه لا يعطي صوتاً إلاّ حين يتم. وسره أنه غالباً لا ينذر أحداً قبل أن يتم.