هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

173: الوزير الآتي بمشروعه الثقافي

الاثنين 30 تشرين الأول 2000
– 173 –
أتخيّله، وهو في الطائرة بين باريس وبيروت، جالساً في مقعده، عيناه مغمضتان، يفكر في أنه يجيء إلى عاصمة بلاده كي يتسلّم حقيبة وزارة تسلّمها قبله، في فرنسا حيث يعيش هو منذ عقدين، اثنان جعلا وزارة الثقافة شرف التوزير وعروس الوزارات: أندريه مالرو وجاك لانغ. لكنني موقن أنه واعٍ أمرين آخرين: أن مالرو ولانغ بقيا في الوزارة سنوات طويلة، وأنهما كانا يتمتعان بموازنة أتاحت لهما التصرّف والصرف لتعيل وزارة ذات وزن.
على أنه، أتخيّله كذلك، لم يتوقف عند هذين التفصيلين. فهو ابن الثقافة الذي يعرف أن في موازنات وزارة الثقافة مصروفاً يمكن أن يكون ضئيلاً أو خجولاً لكنه مهيأ أن يكون على المدى الطويل مثمراً بل مربحاً للبنان.
يعرف. فهو في طبيعته جدّي ومسؤول. والجدية صفة تلازمه منذ المطالع، منذ كنا شلة من الأصدقاء والأتراب نتمشى على خصر خليج جونيه عند فجر الشباب، نتبادل الآراء والأفكار في تهوّر أو حماسة، وكان هو، دائماً، يتلقى ويحاور في حدس مبكر ورؤية متبصرة وأفكار متنوعة لم تزدها سنوات نضجه وشبابه واختصاصه وممارسته المهنية والثقافية والأكاديمية إلاّ تعمّقاً وجدية ومسؤولية.
وهو يعرف أن الثقافة سلطة حقيقة، وبهذه السلطة سوف يدير الوزارة كي يجعلها غير ثانوية، لأنه وزير يحمل في الأساس مشروعاً ثقافياً، ولن يؤخذ بالاستعراضات الثقافية بل بمشاريع تتماشى ورؤيته الثقافية المعمّقة.
وهو يعرف أن السياحة الثقافية تكون بالعمل لا بالمنبريات، وأن الفعل الثقافي لا تبنيه الوظيفة بل ورشة عمل جدية، دوره فيها تحفيز المثقفين (الجديين مثله، والمسؤولين مثله) فلا يجعل باب الوزارة محطة انتظار لصفوف المثقفين.
وهو يعرف أن ما تمّ إنجازه حتّى اليوم، في وزارة الثقافة، خميرة تأسيسية جيدة تحتاج إلى إكمال وتوسيع وتغذية. وهو لن يكون خجولاً في طلب المزيد من الموارنة، ولن يكون حيياً في المطالبة بتمويل مشاريع ثقافية كبرى (خاصة عشية السنة الفرنكوفونية) ولن يضيع في خضم سياسيين يعرف هو، يعرف جيداً، مضامينهم وأساليبهم، لا لأنه منهم بل لأنه كتب لهم وفيهم وعنهم ويعرف خباياهم من منظاره وكأكاديمي ومحلل ومراقب.
وهو يعرف أن الثقافة وجه لبنان وكنز لبنان وبترول لبنان، وأن المثقفين هم سند لبنان الحقيقي في ارتقاء مراتب العالمية، وسوف لن يتأخّر عن خوض نجاحه في الوزارة بمخلصين من المثقفين سيأتون إليه سائلين: “ماذا تحب أن نفعل حدك في الوزارة؟” لا بمن سيقولون له: “ماذا ستفعل لنا في الوزارة؟”. ذلك أنه يأتي من باريس بمشروعه الثقافي الخاص، ولا ينتظر من يعرض عليه مشاريع حتّى يبدأ من حيث لم يخطط هو نفسه أن يبدأ.
لكل هذا، ولسواه الكثير، نفرح به، غسان سلامة، جاء إلى وزارة الثقافة من قلب العمل الثقافي.
فيا غسان: أهلاً بك مجدداً بيننا، مبروك لك الحكم، هنيئةٌ لك الوزارة، وهات يدك نصافحها لأنها منا وفينا، ولن نقول لك إنها لنا، بل نحن لها، زنودنا لها وسواعدنا والأكتاف، ولنبدأ معك ورشة ثقافية تليق بلبنان.