هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

158: الثقافة وحدها… فلنبدأ الورشة

الخميس 3 آب 2000
-158-
مساء الخميس الماضي، وكنا في قصر الأونيسكو نحضر افتتاح التحفة الجديدة التي أهداها للبنان الثقافة وليد غلمية (الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية) بادرني الوزير محمد يوسف بيضون: “قرأتك اليوم في “النهار”. وليتك سألتني قبل أن تتسرّع وتكتب”. وكان بذلك يلمح إلى مقالي “أزرار” (الخميس الماضي: “أنقذوا الثقافة من التعليم العالي”). واستوضحت فأجابني أبو يوسف واستدار وجهه أكثر من الفرح: “ألحقنا التعليم العالي بوزارة التربية، وجعلنا اسمها “وزارة التربية والتعليم العالي”، وأصبحت الوزارة “وزارة الثقافة” فقط”.
الخبر، طبعاً سعيد جداً، من منطق إيماننا الوثيق (ومناداتنا المتواصلة) بأن وزارة الثقافة هي وزارة غير ثانوية، ويمكن تفعيلها حتّآ تكون للبنان أهم بكثير مما هي له أية واحدة من وزارة الخدمات.
كيف؟ نبدأ بالميزانية (الغالية جداً على قلب النواب يناقشونها في جلسات متلفزة)، في الثقافة تدفع الدولة مرة واحدة على مشروع ثقافي (متحف، مسرح، فرقة سمفونية، مكتبة عامة، صالة معارض…) ثم يأخذ هذا المشروع بضخ المردود إلى صندوق الدولة تصاعدياً مع مرور الوقت، بينما مشاريع الدولة في حقول أخرى (طرقات، شبكات، مجارير، شبكات هاتف وكهرباء…) تكلف مالية الدول مبالغ طائلة ثم لا تلبث أن تتطلب صيانة مستمرة مكلفة جداً، مما يعني أن المشاريع الثقافية تكلف مرة واحدة، وتروح ترد تكاليفها كل مرة وتزيد مدخول الدولة.
ثم نأتي إلى وزير الثقافة، و”معاله” يضمن لنفسه من “البرستيج” ما لا يمضنه أي وزير آخر. فقليلون جداً يعرفون أي وزير كان وراء تزفيت هذا الطريق، أو توقيع ذاك القرار المالي، أو إنشاء ذلك القرار المالي، أو إنشاء ذلك المرفق الصناعي، أو تدشين سنترال تلفون أو محطة كهرباء أو مضخة مياه بينما الجميع يعرفون أن وزير الثقافة (فلان) كان وراء إنشاء هذا المسرح الدائم، أو تلك الفرقة السمفونية، أو ذلك المعرض الدائم، أو أي نشاط ثقافي دوري، لأن جمهور المسرح والموسيقى والمعارض والنشاطات الثقافية هو في تصاعد مستمر وليس محصوراً في حفلة واحدة أو مناسبة افتتاح.
ثم نأتي إلى الأهم الأهم: دور وزارة الثقافة (وقد أصبحت وحدها بدون ملحقات ترهق انشغالات الوزير) ورسالتها في توجيه اللبنانيين إلى التثقف، وتشجيع مواهبهم، وتسهيل أعمالهم الإبداعية ونتاجهم الفكري والأدبي والفني، لا بمجرد شراء لوحاتهم أو كتبهم، أو دعمهم بمبالغ مالية (فهذا أمر تقوم به أيضاً أية مؤسسة تجارية راعية لقاء نشر اسمها)، وإنما بتسهيل الاتصالات لهم وبفتح الآفاق أمامهم محلياً وخارجياً كي ينشروا آثارهم أو يصرّفوا نتاجهم، عن طريق تبادلات ثقافية ولقاءات ونشاطات تقوم بها الوزارة مفسحة في الأفق أمام أصحاب النتاج الثقافي أن يعرضوا نتاجهم. وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلاّ بين وزارة ووزارة، على الصعيد العالمي الثقافي والتبادلي معاً.
يبقى: إذا كانت التربية (هنا بمعنى التعليم) ه يفي كل مدرسة (وهذه مسؤولية وزارة التربية)، فالثقافة يجب أن تكون في كلّ بيت. وهذه مسؤولية وزارة الثقافة حين تتفرغ للعطاء، وحين وزيرها (الأفضل أن يأتي من أهل الوسط الثقافي لا السياسي) يكون مترسلاً لخدمة المثقفين وآثارهم التي، هي لا السياسة، تحمل إلى العالم نصاعة لبنان.