هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

146: … وقام في اليوم الثالث

الجمعة 5 أيار 2000
– 146 –
“المجدلية: كنتُ مستعبَدَة، وحين آمنتُ به وأصبحت حرة، مثل النسمة، مثل النجمة، مثل الثلج على حرمون. الخطيئة انكسرت، والوهج الإلهي أضاء لي حياتي (…).
يهوذا: أنت جئت لخلاص أورشليم الأرض المقدسة، وأهلها، فماذا رحت تفعل هناك؟ (…).
المسيح: أنا جئت لأحرر الإنسان، جئت لقانا وصيدا وصور والمرأة الكنعانية. فهذه أيضاً أرض مقدسة (…)”.
هذه التماعات مقطوفة من النص الجديد الذي أنجزه منصور الرحباني “… وقام في اليوم الثالث”، والذي بدأت التمارين النهائية له على مسرح كازينو لبنان حيث العرض يبدأ رسمياً في الثامن عشر من أيار الجاري.
النص الجديد يعالج الأيام الستة الأخيرة من حياة السيِّد المسيح (على غرار نهج منصور في معالجته “آخر أيام سقراط”، ومعالجته مع عاصي “أيام فخر الدين”) في الخط الدرامي الذي يبدأ في الساعات الأخيرة التي تسبق الموت، كأنها في دخول الفجيعة خلاص رحباني من الخوف الذي لا يغلبه سوى التشبث بالحياة (“تَعا تَ نِتْخَبَّى مِن دَرْب الأعْمار، وإذا هنّي كِبْرو ونحنا بْقينا زْغار، وسألونا وَين كنتو، ولَيْش ما كْبِرْتو إنْتو، مِنْقِلُّن نْسينا، واللي نادى الناس تَ يِكْبَرو الناس، راح وْنِسي يْنادينا”)، وهذه خصيصة مميزة في الكتابة الرحبانية.
يتميز النص الرحباني الجديد بتوغّله في اللاهوت المشرقي الموثّق (من الأربعة الأناجيل، في إشراف استشاري روحي لرئيس جامعة الروح القدس/الكسليك الأب الدكتور يوسف موّنس) وهو يعالج الإيمان والخيارات المسيحية لا من المنظور المسيحي وحسب، بل مما هو أوسع: حرية الإيمان التي هي من حرية الإنسان، قال بها المسيح (المسرحية): “أنا أموت من أجل ناس لا أعرفهم. ليس المهم الموت، المهم القيامة. فالإيمان يحرر، ويوصل إلى الحرية”.
وهي مسرحية غنائية (من فصلين) يقتصر عمل منصور فيها (وللمرة الأولى) على النص فقط (لا في رسد كرونولوجي أفقي مسطح بل في رؤية ورسالة إنسانية معاً)، فيما تولى أسامة الرحباني التلحين الكامل، بموسيقاه الطليعية والصدامية معاً، وبكتابة لحنية ضخمة ومتجددة (مع عازفين لبنانيين، إلاّ عازفي نحاسيات من كييف)، في تسجيل لبناني (ستوديو الياس الرحباني)، وإخراج مروان الرحباني (الذي أثبت براعته في قراءة نص منصور على المسرح) وتمثيل وغناء غسان صليبا (المسيح) وغسان الرحباني (يوضاس) وكارول سماحة (المجدلية)، إلى أنطوان بلابان (قيافا) وبول سليمان (حنانيا) ونزيه يوزسف (بطرس) وحشد تقني عالي المستوى (سينوغرافيا آغنيس تريبلن، إضاءة فؤاد خوري، كوريغرافيا دولي صفير) مما يؤمّن لهذا العمل أرضية ثابتة يقلع عليها بكل ثقة، ويأمن مخاطر السقوط.
هوذا عمل رحباني جديد يواصل لنا عافية عمارة فنية (رحبانية تحديداً) هي التي بها ارتفع الفن اللبناني منذ مطلع الخمسينات. وهوذا نصف قرن رحباني يتتوّج بهذا العمل الجديد من العائلة الرحبانية، يمهره منصور الرحباني بطابع فلسفي موثّق، مطرّز، كالعادة، بمخمل شاعري فريد النسغ مما اعتدناه من الشاعر المبدع.