هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

143: “جديد” الحويك عن جبران

الخميس 13 نيسان 2000
– 143 –
غريب كيف يظلّ جديداً كل كلام عليه، ولو بعد 69 عاماً على غيابه (ذكراه مرّت الاثنين أول من أمس في 10 نيسان)، وكيف كلّما ذكرناه أو قرأناه أو كتبنا عنه، نخاله بيننا حاضراً، أو سيحضر، أو غادرنا أول من أمس.
من هذا الجديد، ما أرتني إياه الأديبة إدفيك شيبوب قبل أيام حول مشروع بين أوراقها بخط يوسف الحويك وريشته، وضعه تكريماً لجبران مرّة أخرى (بعد مرة أولى قبل 90 عاماً- سنة 1910- حين وضع له الحويك تلك الزيتية الشهيرة المستريحة الآن في متحف بشري، وروى قصّتها لإدفيك كما دوَّنَتها في كتابها: “ذكرياتي عن جبران”).
المشروع يدين لجلسة قديمة من أيام باريس (1910) قال فيها جبران للحويك: “أنا حتماً سأموت قبلك يا يوسف. أرجوك أن تنحت على قبري أسداً ناهضاً يزأر”. ولم يبادر الحويك إلا لاحقاً، عندما جاءت إليه لجنة جبران الوطنية (في 23/1/1955) تطلب منه إقامة أثر تذكاري لجبران، فوضع تصميم المشروع، وهو التالي: حائط طوله 15م. وارتفاعه 4 أمتار، من حجر كريم مميز متوفّر في بشري. يبرز في وسطه رأس جبران من نحاس فضي، وأكثر قليلاً من الحجم الطبيعي، عن جانبه عمودان على رأس كل منهما مشعل يضاء كل ليلة ويظلّ مشتعلاً طوال الليل. على العمود الأول محفورة عناوين مؤلّفات جبران بالعربية، وعلى الآخر تلك التي بالإنكليزية. وعلى الحائط عن جانبي العمودين أربع لوحات بالنحاس الفضي، والحجم الطبيعي، تمثّل أبرز رسوم جبران. ويقوم الأثر وسط غابة مار سركيس، قرب الضريح، ويتم إليه، كي يصان من عبث الأيدي والاقتراب المباشر منه، تحويل مجاري الينابيع الغزيرة حتى تشكل حوله بحيرة واسعة يسبح فيها الإوز، ويتماوج متراقصاً على صفحة مياهها ظلّ الأثر المهيب.
وهنا سكت الحويك، ثم أردف لإدفيك: “لم أصمم أسداً يزأر كما طلب مني صديقي جبران، وأنى له أن يكون أسداً، وهو الذي، في رقة قلبه ووداعته، كان إلى الحمل أقرب. إن أمنية عمري يا إدفيك، أن أرى هذا الأثر ناجزاً في بشري قبل أن أموت، كي أفي بوعدي لصديقي جبران”.
وهنا سكتت إدفك، ثم أردفت لي: “ذهبت مع الحويك إلى بشري كي يعرض المشروع على اللجنة، بتكلفة ليس فيها سوى ثمن المواد المستخدمة، ولم يلحظ قرشاً واحداً بدا أتعابه، كرمى لصديقه جبران. يومها رفضت اللجنة المشروع لافتقارها إلى المال كي تنفذه، ومات الحويك (1963)، ولا يزال المشروع بين أوراقي”.
وها هوذا المشروع اليوم، ؤسوما وشروحاً بخط الحويك، كانت إدفيك شيبوب قد تشرت رسمه وملخصاً له في “صوت المرأة” (السنة 11- العدد 4- نيسان 1955- ص10 و11)، وما زالت تحتفظ به أوراقها… وتنتظر.
تنتظر من؟ تنتظر من يبادر إلى تبنّي المشروع وتنفيذه. وهو ليس مكلفاً أبداً (ويمكن استرداد تكاليفه بفرض رسم على زيارته كما على زيارة أي أثر سياحي)، فتستقطب “رائعة القطبين” (جبران والحويك) زواراً وسياحاً أكثر إلى بشري.
يا لجنة جبران اليوم، يا وزارة الثقافة كل يوم، هوذا مشروع حضاري رائع، فاهرعوا إلى… إدفيك شيبوب.