هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

141: في صومعة سليمان كتّاني

الجمعة 31 آذار 2000
– 141 –
ينزوي في بسكنتا، في بيته الهادئ، يسمع حوله الصمت في الطبيعة خارجاً، والسكوت في وحدته داخلاً، ويسترجع ذكريات هي وحدها الباقية معه، بين نطقه والسكون، بين قلمه وكتبه، بين زوّاره وحكايات حول المدفأة يرويها هذا الكتاب اللبناني المعتكف الذي أغنى مكتبتنا بتراث أدبي وتاريخي وتراثي بين الأندر والأعمق.
يشير بإصبعه إلى فوق: “هذا بيت ميخائيل، أطول صداقاتي عمراً. بعدما عاد من نيويورك وسكن في الشخروب، أخذ يزورني، وخاصة في “الخلة”، قطعة الأرض التي أملكها في أعلى الضيعة. كان يأتي ويخبرني عن مشاريعه الأدبية، وكنت أقرأ له، وغالباً ما نسيح في طبيعة بسكنتا، نمشي في أحضانها بعيداً عن ضوضاء الناس”.
ويشير بإصبعه إلى أسفل: “وهذا القرميد هناك، بيت صديقتي عبدالله غانم. المعلّم عبدالله. كان يزورني ويقرأ لي جديده، وهو عام 1930 كتب لروايتي التمثيلية “أمل ويأس” مقدمة ختمها بقوله: “إلى الأمام يا أخي سليمان، سيكون لك ضوء في الأدب”. مسكين، المعلم عبدالله، انقصف في عزّ عطائه”.
ثمّ يتذكّر: وكان الياس أبو شبكة صديقي، كلّما زرت زوق مكايل أخصه بزيارة فـ”نؤركل” ونتحادث. مسكين، انقصف في أول شبابه. لكن نهاد ابن أختي أنصفه تكريماً” (المحامي نهاد نوفل رئيس بلدية زوق مكايل).
ويأخذني إلى مكتبته حيث تستريح مؤلفاته. منها في التراث الإسلامي: “محمد شاطئ وسحاب”، “الإمام علي نبراس ومتراس” (قدم له الشيخ مرتضى آل ياسين رئيس جماعة العلماء، ونال الجائزة الأولى من النجف الأشرف، وترجم إلى الإنكليزية والباكستانية والإيرانية والتركية)، “فاطمة الزهراء وتد في غمد” (كتب مقدمته الإمام موسى الصدر الذي كان يزوره في بسكنتا، وفاز الكتاب بجائزة النجف الأشرف، وترجم إلى الإنكليزية والإيرانية، ولقي المؤلّف عليه تكريماً في طهران ودمشق والنجف والهند والولايات المتحدة)، “الإمام الحسن الكوثر المهدور” (نال عليه جائزة أهل البيت)، “الإمام الحسين في حلة البرفير” (نال عليه جائزة أهل البيت)، “الإمام زين العابدين عنقود مرصّع”، “الإمام الباقر نجيّ الرسول”، “الإمام الصادق ضمير المعادلات”، “الإمام الكاظم”، “الإمام الخميني”. وله في الأدب: “جبران في مداره الواسع”، “ميخائيل نعيمة بيدر مفطوم”، “مي زيادة في بحر من ظمأ”، وله في الفكر: “الجذور”، “طابخ السم آكله”، “الوشم”، “الجذور”، وله في الوطنيات: “لبنان على نزيف خواصره”، وله: “يسوع أبد الإنسان”.
غريب هذا الرجل! من أعلى بسكنتا (حيث ولد عام 1912)، كتب في محمد والمسيح ولبنان وجبران، ولم يخرجه التكريم من عزلته، بل يتمتع بشيخوخة مثمرة بين قراءة واستقبال، حوله مؤلفاته التي هي تراث حقيقي للبنان والإسلام والأدب، لا هو يحب البهرجة، ولا الإعلام يضيء عليه، ويرتع في معتكفه بين صمته الداخلي وهيبة صنين.
ولو هو سعى، لكن اليوم حتماً في صدارة المكتبات المكدّسة والأسماء المكرّسة والتآليف الممدرسة، ولكان سليمان كتاني نجماً أدبياً في لبنان. لكنه نجم يحب الالتماع العميق، والعمق دوماً صامت وهادئ، لكنه الأطول صدى.