هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

139: وأوركسترا حية أخرى مع الياس الرحباني

الخميس 9 آذار 2000
– 139 –
بعد ابتهاجنا الأسبوع الماضي (“أزرار” 138) بولادة “الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية”، في عيادة الدكتور وليد غلمية الذي حلم بها ورآها، أخيراً، تحققت على يده في أبهى حلّة وأجمل شكل، ها نحن، مرشحون من جديد للابتهاج بحدث موسيقي آخر، يجعلنا نمضي وقتاً حضارياً ممتعاً، أسوةً بعشاق الموسيقى في العالم، أمام أوركسترا حيّة كذلك، تعزف مقطوعات كلاسيكية ورومانسية، يقودها صاحب هذه المقطوعات نفسه.
إنه الياس الرحباني الذي، هو الآخر، يحلم منذ 30 عاماً، بالوقوف كأيّ مؤلّف موسيقي عالمي، يقود أوركسترا تؤدّي أعماله هو، فيما معظم قادة الأوركسترات في العالم يقودون أوركسترا تؤدي أعمال سواهم.
هي المرّة الأولى، إذاً، في لبنان، يقف مؤلّف موسيقي ليقدِّم أعماله، وهي ليست أغاني كما اعتدنا، ولا مسرحية غنائية، كما اعتدنا، ولا مسرحية غنائية، ولا حفلاً غنائياً يستعرض الموسيقيين شكلاً منظرياً، كما اعتدنا، فيما الموسيقي الحقيقية تكون “بلاي باك”، بل هي الأوركسترا الحية من 40 عازفاً، يقودها الياس الرحباني ليقدّم بها مجموعة مقطوعات موسيقية معروفة له راجت عبر إسطوانتيه الأخيرتين “أليغرو” و”روندو” (اللتين سجلنا أرقاماً قياسية في المبيعات، لم يبلغها الكثير من إسطوانات مطربي هذه الإيام)، ومجموعة أخرى من المقطوعات الموسيقية الجديدة.
هذا الريسيتال الموسيقي، معيار آخر لجمهورنا اللبناني المثقف، الذي لم يعد مخدوعاً (أو بالأحرى لم يكن أساساً مخدوعاً إلاّ في قسم ضئيل منه) بموجة الأغاني الهابطة السخيفة التي يحاول أساطين البترودولار فرضها علينا عبر أعمال تافهة يتم إنتاجها كرمى لـ”موهبة” فنانة، أو من أجل إطلاق “فنان ناشئ” أو دعم فنان ذي “جمهور حبيب”.
هذا الريسيتال الموسيقي، من الياس الرحباني، ليقول أن جمهور لبنان راقٍ ومثقف، ومثلما يهرع إلى حضور كبار النجوم العالميين ذوي المستوى العالي، كذلك سيحضر ريسيتال فنان لبناني مسؤول عن تأسيس تراث موسيقي للبنان ذي مستوى لبناني وغربي عالمي، يتراوح بين الكلاسيكي والرومانسي، سبق أن سجّل رواجاً (سمعياً) في آلاف الإسطوانات المباعة، ويسجّل حضوراً لائقاً في الأغلبية الساحقة من الفنادق الراقية والمطاعم الرفيعة والإذاعات الثقيفة، وها هو اليوم ينتقل من السمعي إلى البصري الحي، على مسرح كازينو لبنان من 16 إلى 19 الجاري مع أوركسترا من 40 عازفاً، كما يحصل في كبرى المسارح الراقية في العالم.
بلى، هذا أيضاً وأيضاً نوع من المقاومة، المقاومة الحضارية، المقاومة بالفن، لأن الأعمال الهابطة فنياً تصيب الوطن بفقر دم يؤثّر على معنويات أهله ومستوى تفكيرهم ويدفعهم إلى الاسترخاء البليد فيسهل اجتياحهم بأية موجة ساقطة أو مدسوسة أو تآمرية على تراث الوطن الأصيل أو الناهد إلى مستوى عالمي.
الياس الرحباني، أدرك ذلك أم تصرف عفوياً، يؤسس لنضال لبناني من أجل الفرح في شعب عودوه على خنوع فني واستسلام ثقافي وضعف حضاري، يعني على أفضل السبل ليفترسه عدو لا يحاربه فقط بالقصف العسكري.