هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

118: بلى… احبسوه مارسيل خليفة

الأربعاء 6 تشرين الأول 1999
– 118 –
من قال له، هذا المتمرد على السرب، أن يغني خارج السرب؟
من سمح له أن يدخل وجدان الناس من بيروت إلى طنجة مروراً بجميع العواصم والمدن؟
من أَذِنَ له أن يتخطى “تابو” القبيلة، فيغني الحرية ويتجاسر على السير عكس السير؟
من زينَ له أن يتمشى بصوته الحنون ولحنه الحنون على طول خارطة هذا العالم العربي الممتد “من البشاعة إلى البشاعة” كما حدده نزار قباني؟
أبهذه البساطة يحمل عوده، هذا التروبادور، ويغني أشعار محمد درويش من دون استئذان أجهزة أبي جهل من المحيط إلى الخليج، وكل من يستزلمون ويستسلمون ويصفقون لنظام أبي جهل؟
ويستكثر حضرات المثقفين على العدل العربي أن يمتطيه أبو جهل ليستقيم عدله في الناس؟
ماذا؟ أيريدونه أن يغضّ الطرف، كالعالم الأول الأمبريالي الذي لم يتحرك فيه ولا أبو جهل واحد حين أدخلت المغنية العالمية مادونا عبارة “اليوم علّق على خشبة” بصوت فيروز في أإنية جريئة؟
وهل أعدل من أبي جهل حين يحاكم نصر حامد أبو زيد في مصر قبل أشهر، وليلى العثمان في الكويت قبل أيام، لأن الكلمة سلاح خطير على طول خارطة عربية، منذ كانت، تخاف الكلمة لأنها تتسرب في المسام والقلوب والشرايين من دون المرور بزمرة أبي جهل وأزملامه والعسس؟
تستكثرون الحبس على مارسيل خليفة؟ يا ويلكم من غضب هذه الأمة القائمة أصلاً على الانحناء أمام المحاكم وتقبيل سيفه والدعاء له بطول العمر ثم تقبيل يده والدعاء عليها بالكسر!
لا. أبداً. بل احبسوه كثيراً، هذا المسريل خليفة. احبسوه لأنه أيقظ العصافير في أعشاشها، والنسور في أوكارها، والورود في أقمارها، والحريات في أبكارها، والكلمات في أفكارها.
احبسوه جداً كي يتعلم أن يكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة، أسوة بسائر صيصان المطاعم وقبابيط القهاوي ومرتزقة حفلات الأعراس والطهور والحفلات الخاصة في القصور العالية الأسوار.
احبسوه كثيراً كي لا يقرأ آراء الرئيس نبيه بري والعلامة السيد محمد حسن الأمين والعلامة السيد محمد حسين فصلالله وسائر المتنورين والمراجع الرسمية والفقهية ممن هبّوا مستغربين مستبعدين أن يكون في غنائه نص محمود درويش مسّ بالمقدسات أو تعريض بكتاب الله، بل هو في سياق شعري إبداعي رموزي لا علاقة ظنية له بما ظن القرار الظني أن فيه طنوناً وأن “بعض الظن إثم”.
احبسوه كي لا يعيدها، هذا الذي، منذ ربع قرن، منذ نقر عوده وأرسل صوته الحنون، أشعل النار في جِباب الحكام الذين عبثاً يحاولون إطفاءها لأنها ممتدة من وجدان الناس الذي لا يرحم.