هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

103: ونحن أيضاً يا أمين ننتظر معك سيرين

الاثنين 21 حزيران 1999
– 103 –
كنتُ في أميركا (المنأى الموقت- بحيرة الليمون- فلوريدا) حين بلغتني فجيعة صديقي غسان مطر باستشهاد وحيدته لارا في بيروت. ولم أذُقْ هول دمعه إلاّ حين قرأت قصائده الموجعة في ثلاث مجموعات متتالية: “عزفٌ على قبر لارا”، “هوامش على دم القصيدة”، “نافذة لعصفور البكاء”، تقطّر جميعها من دمعة الشاعر الحافية على ابنته التي سنبلت، أكثر فأكثر، شاعريته الفذة.
وكنتُ عائداً حديثاً إلى لبنان حين بلغتني فيجعة صديقي الأديب أمين ألبرت الريحاني بماساة زنبقته البكر سيرين غرقاً في عمشيت، كسرت عنده التماع إشراقة كم كنتُ أحبها فيه خلال سهراتنا القمرية على شرفة الفريكة وبيننا تتزنبق سيرين.
وإذا كنتُ معذوراً أنني لم أعانق أخي غسان مطر في وداع لاارا لأنني كنتُ بعيداً، فلا أزال غير عاذر تقصيري عن معانقة سيرين مودعاً، لأنني كنتُ في لبنان ولم أعرف في اليوم نفسه.
ومع أنني اعتذرتُ إليها في أربعينها، ما زلتُ شاعراً بالتقصير تجاهها، وتجاه أخي أمين يومها.
واليوم، بعد نيف وأربع سنوات على غياب سيرين مخطوفة منا بين شدقي موجة تنينية، عاد لي هذا الشعور بالندم حين قراـُ تفجّع أخي أمين عليها في كتابه “طقوس الماء- رسائل إلى سيرين”، فسمعت شهقات دموعه الحافية تتقطّر من أجفان قلمه الشاعر، وتسيل على ورق ذكريات تملأها سيرين كتابات وخطوطاً وألواناً، نصوصاً ورسوماً، بقايا وصوراً فوتوغرافية تملأ بيت الفريكة وقلب أمين، وتغمر والدتها سميرة وشقيقتها ريم وشقيقها خالد في صمت مقنّع يضج بذكريات أعلى مما تختزنه الصنوبرتان الباسقتان على مدخل بيت الريحاني الكبير في الفريكة.
مباركة شجاعةُ أمين في كتابته هذه الرسائل والمقطوعات الشِّعرية الخمس والأربعين!
مباركة نعمة أوتِـيَت لقلمه أن يعطيه بحبس نهر أجهاشه بين ضفتي قلب في دفتي كتاب!
والذي يعرف سيرين، وزوغة سيرين، وذكاء سيرين، يبارك مثلي لأمين تينك النعمة والشجاعة، ويبارك للشعر أطاعاه كي يخرج من عزلة الألم إلى بوح القلم.
حورية البحر التي غدر بها البحر في غفلة عن القمر، وهي تدندن على غيتارها “نحنا والقمر جيران”، جعلتنا جمعياً، من شدة حبنا لها، ننتظرها كل ليلة تعود، وتسهر معنا على شرفة الفريكة.
ويعرف ذلك أمين، ولو لم نقله له. ولأنه يعرف كيف يكون الشِّعر صوت الانتظار، أعلن لها في خاتمة الكتاب أنه لن ينتهي أبداً من كتابةٍ لها “ستبني نصوصاً موجعة وتبقى… خارج التدوين”.