هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

99: بريدنا الذي صار يصل

الجمعة 21 أيار 1999
– 99 –
خلال ست سنوات إقامتي في فلوريدا (“الْمنأى الْمُؤَقَّت” على بُحيرة الليمون)، كنتُ أمشي بضع خطوات من باب بيتي (المؤقت طبعاً) فأبلغ علبة (تلقائية هناك أمام كل بيت) أتلقى منها بريدي، في ساعة شبه ثابتة كل يوم، وأضع فيها قبل الوقت المحدد بريدي لإرساله، حتّى يمرّ ساعي البريد، يأخذ إلى الخارج ويضع بريدي الواصل. لم أكن أذهب حتّى إلى مركز البريد. كنت أتلقى وأرسل من أمام باب بيتي حتّى فواتير الهاتف والكهرباء والمياه وباقي البريد الرسمي للدولة.
وأذكر أنني، كلّما فتحت علبة بريدي، كنت أفكر في غصّة، متى عندنا هذه التسهيلات؟
لدى عودتي النهائية إلى لبنان (قبل خمس سنوات) كانت في قلبي حسرة ألا يكون عندنا تسهيلات بريدية كما في العالم. ومع تحسّن شبكة الهاتف والطرقات تريجياً، قرأت أخيراً لافتة على الطرقات: “صار للبريد عنوان”، فظننتها “بروغاندا” استثارية باردة من دون قاعدة.
حتّى اجتمعت بالدكتور نسيب الحسيني (رئيس مجلس إدارة “ليبان بوست”) قبل أيام، وفوجئت بأن خدماتنا البريدية قطعت شوطاً بعيداً في طريق بلوغها المستوى العالمي المنشود. ففي يومين (لا أكثر) تصل الرسالة من أقصى لبنان إلى أقصى لبنان، وبخدمة تتوخّى تسليم البريد للمرسل إليه شخصياً (لا إلى الناطور ولا على الباب) ولو كان بعيداً أو في طابق عال من بناية كثيرة الضقق.
هذا، إلى خدمات أخرى عالية التكنولوجيا، من تلقي بريد إلكتروني وإيصاله، ومن توفير عناء انتقال المواطن إلى دوائر الدولة، إذ بات في إمكانه دفع فواتيره للدولة بواسطة البريد، مما يقرّب خدمات الدولة من المواطن بحل أزمة التنقلات والمعاملات. وثمّة تسهيلات معينة لأنواع المطبوعات والطرود والتحارير البريدية والبريد المسجل والإشعار بالتسلم والبريد الإعلاني المعنون والمطبوعات الدورية والبريد الدولي وسواها الكثير مما تشرحه منشورات واضحة توزعها “ليبان بوست”.
وسط هذا التطور، تعمد “ليبان بوست” إلى وضع رموز بريدية (رقم لكل بناية) تسهم في تسريع إيصال البريد، وسوف تضع علباً بريدية في الطرقات والشوارع والمحال الكبرى، توفيراً لانتقال المواطنين إلى مراكز البريد، فيمر سعاة البريد يأخذون محتويات العلب لإرسالها إلى المركز الرئيسي (في حرم مطار بيروت) لتطير إلى وجاهاتها العالمية أو تذهب إلى عناوينها المحلية في اليوم نفسه.
في الحالات العادية، كل هذا المقال لا لزوم له، لأنه من البديهيات.
عندنا، بعد كل ما مرّ عندنا، هذا الموضوع حدث يستأهل الفرح و…التفاؤل.