هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

98: قانا… قانا… قبل فوات الأوان

الخميس 13 أيار 1999
– 98 –
حزينة كانت زيارتي إلى قانا، وغاضبة في آن واحد. لا لوقوفي على قبور الشهداء، بل لاكتشافي في بلديتها (“بلدية قانا الجليل”) كما على مدخلها الذي يعلوه باعتزاز علم لبنان) فداحة الإهمال الذي يغتال قانا، قانا الأعجوبة الأولى، “قانانا” نحن التي ستكون محطّة رئيسية في دورة السيّاح الذين سيأتون إلى أرضنا كي يتباركوا بالتراب الذي مشى عليه السيد.
ففيما إسرائيل خصصت 14 مليون دولار لـ”سياحة تسويقية” تستقطب حجاج السنة 2000 (مقدر بلوغهم خمسة ملايين)، وخصصت مصر مبالغ طائلة بتوجيه مباشر من الرئيس حسني مبارك، وخصصت الأردن وسوريا موازنة محترمة، وفيما صور وصيدا ومغدوشة (سيدة المنطرة) جاهزة عندنا (بما تيسر) لاستقبال من سيقصد لبنان من هؤلاء السيّاح، نجد قانا- قانا ولادة المسيح إلهاً بعد ولادته يسوعاً بشرياً في بيت لحم- لا تزال ترزح تحت الوعود والإهمال.
وفيما رئيس بلديتها الزميل الدكتور صلاح سلامه، ومعه نخبة الشبان في المجلس البلدي، يتحرك في كل اتجاه لتأمين الحدّ الأدنى من موارد تجعل قانا لائقة المظهر لاستقبال السياح- قبل 231 يوماً من بزوغ الألف الثالث- لا تزال الأجاجين غارقة تحت العشب والحشائش البرية، ومغارة المسيح والذعراء مهملة، والوصول إليها محكوماً بالحجارة وطريق متعرّجة خطرة المسالك مشقوقة بشكل بدائي، والتماثيل المحفورة في الصخور عرضة لكلّ ضربة تشويهية في أي وقت.
لا تزال قانا مهملة تماماً، هي المنطقة التي سيرنو إليها حجاج العالم. وآخر ما قام به رئيس البلدية، زيارة البطريرك الماروني شارحاً وضعها، وتوقيعه اتفاق توأمة بين قانا وديربورن (ميشيغان في الولايات المتحدة) على برنامج عمل سيظهر (!) خلال هذا الصيف.
عدا ذلك: لا شيء. البنية التحتية معدومة. لا طرقات، لا إنارة، لا شبكة صرف صحي، لا استراحات للسياح، فيما مبلغ ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار (هبة خاصة إلى قانا من تلفزيون “إم.بي.سي.” في لندن) ينتظر من يحركه من صندوق “الهيئة الوطنية العليا للإغاثة”، لأنه يسهم في تأهيل قانا ورفع الإهمال والنسيان عنها.
أيحق للبنان الرسمي أن يترك قانا بهذا الإهمال، وهي التي تجعل لبنان عنواناً عالمياً سنة 2000؟
الدولة كلّها فلتتحرّك فوراً: الرئاسة، الحكومة، وزارة الداخلية والبلديات، وكل مسؤول ذي علاقة، قبل فوات الأوان على هذا الحدث الذي لن يشهده لبنان مرّة ثانية إلاّ بعد… ألف سنة.