هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

97: ماذا فعلت لبافاروتي يا وزير الثقافة؟

السبت 8 أيار 1999
– 97 –
قبل عودتي النهائية من الولايات المتحدة عام 1994، كان أكثر شريط فيديو تتناقله الأيدي من محلات الإيجار أو تقتنيه من المكتبات الموسيقية عامئذ: الحفلة الاستثنائية التي اجتمع لها في روما أقطاب الأوبرا الثلاثة في العالم: بافاروتي، كاريراس، ودومنغو، تألق ثلاثي العصر في أداء عجيب، وكان المكان رابعهم في النجومية: روما. وعن الإحاصءات أن عدد الأشرطة المباعة والمعارة بلغ الملايين في الولايات المتحدة وحدها، فكيف بأوروبا والعالم؟ وكان اسم الشريط في التداول العام: “الثلاثي في روما”. وهذا مجد لروما التي لا تحتاج أصلاً إلى مجد.
بعد شهر من اليوم، تكون بيروت هي المكان الذي ستتداوله الأسلن حين سيتهافت الملايين (في العالم طبعاً مش عندنا) إلى اقتناء (أو استئجار) فيديو “حفلة بافاروتي في بيروت”، عدا من سيشاهدونها (مباشرة أو لاحقة) على فضائيات ستنقل بيروتنا إلى العالم عبر صوت بافاروتي، في حفلة قد تكون الأضخم (على المستوى العالمي) يدخل بها لبنان خارطة الفن في العالم.
مع هذا، مع كل هذا، وما نعوّله على إطلالة عالمية لبيروت وعلى هذا المستوى “البافاروتي” الاستثنائي (وحاجتنا القصوى إلى ضوء جميل يطلع من لبنان إلى العالم وسط المناخ السياسي المتلبد في لبنان مرتبط بدول المنطقة)، برز من يشاغب على هذا الحدث الفذ بالاعتراض على كون وزير التربية والشباب والرياضة “منح” المدينة الرياضية بدون مقابل لـ”لجنة مهرجانات بيروت” التي تنظّم هذا الحدث الفريد تنسيقاً مع تلفزيون “أم.تي.في.”.
معقول هذا الجهل الأرعن؟ وهل من هدية عالمية لبيروت “عاصمة 1999 الثقافية” أكثر من أن يحدث فيها احتفال يسجل لها علامة فنية سوف تبقي اسم بيروت في التداول تلفزيونياً و”فيديوياً” سنوات طويلة، ويصبح اسم حفلة بافاروتي “شريط بيروت”، أو “شريط حفلة بيروت”؟.
بين الفضائيات وأشرطة الفيديو، سينسى العالم أن الحفلة أقميت في المدينة الرياضية، لكن أحداً في العالم لن يغفل أن الحفلة أقميت في بيروت.
فكم ميزانية (من حجم ميزانية حكومتنا) يلزمنا لو شئنا أن “ثمن احتفال عالمي ضخم كهذا، يضع بيروت على ألسنة ملايين المشاهدين في العالم يوم بثّ الحفلة فضائياً، أو حين صدورها على أشرطة فيديو، فتكون “حفلة بافاروتي في بيروت” باقية في المكتبات الموسيقية وفي الذاكرة؟
بين كبرى مصائبنا اثنتان: تسييس الفن بمنظار قزم، وتنظير الجاهلين.