هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

76: ذاك الطبيب وقبلة التأثـُّر

الجمعة 10 كانون الأول 1998
– 76 –
كان ذلك عام 1993 في واشنطن. وكانت الدعوة من “اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز العنصري” لانعقاد مؤتمرها السنوي الذي كان موضوعه عامئذ “الأراضي المحتلّة”.
وكان بين المحاضرين بيتر جيننغز، صاحب نشرة الأخبار الشهيرة على محطة A.B.C. الأميركية، وكان مندوبها في بيروت لسنوات، وجال في معظم الدول العربية في ما بعد.
وكان المحاضرون ممتازين في الإشارة إلى الجرح، وإلى الاحتلال، وإلى اغتصاب الأراضي.
وجاء دور لبنان، فاعتلى المنبر شخص لم أكن أعرفه، راح يدقق، بتشخيص طبيب خبير، في وضع الجزء المحتل من لبنان، مستشهداً في بعض تركيز بحادثة غص لها وهو يسردها: اغتيال الدكتور شكرالله كرم داخل عيداته في مرجعيون على يد القوات الإسرائيلية فيما كان يقوم بواجبه الإنساني.
لفتني هذا المحاضر الإنسان، فتابعته بكل خفقة قلب من محاضرته، حتَّى إذا انتهى، وانتهت الجلسة العامة وخرجنا إلى الصالون الكبير في ذاك الفندق الواشنطني الضخم، تقدّمت إليه، عانقته، وعرفته بي، مبدياً تأثيري من محاضرته، ومما جاء فيها عن استشهاد الطبيب شكرالله كرم.
أخذنا الحديث إلى وجودي في الولايات المتحدة، وحفزني يومها على أن أحمل قلمي وأعود، وعلى ضرورة أن نبني معاً وطناً لن يقوم إلاّ على أيدي أبنائه. وأعطاني بطاقته، وفي مودة شديدة الطيبة محرجة لشدّة صدقها، دعاني للاتصال به حين أعود إلى بيروت.
وفي نهاية المؤتمر، حين أزف الوداع لنفترق: هو إلى بيروت وأنا إلى بحيرة الليمون في فلوريدا، تصافحنا ففاجأني بقوله: “أنا أشكر كلامك عن تأثري بحادثة شكرالله كرم. ذاك كان طبيعياً. إنه… أبي”.
هذا الجنوبي الرائع، هذا الطبيب الذي تعلّم الإنسانية قبل الطبّ، هذا الإنسان الذي يسكنه جرح استشهاد أبيه في كلّ ما يقوم به ويفعل، هو اليوم الوزير الجديد للصحّة في لبنان.
حين صافحته مهنئاً قبل أيام، أعادني إلى تفاصيل لقائنا في واشنطن، فلمحت في عينيه نبرات راعشة على المنبر قبل خمس، وهو ينتفض بالجرح اللبناني عند كلامه على احتلال جنوب لبنان.
الدكتور كرم كرم، هذا الإنسان الكبير، ينتقل اليوم من مسؤولية العمل في عيادته وفي مستشفى الجامعة الأميركية، إلى مسؤولية صحّة لبنان.
قلوبنا معه من هنا، ومن “فوق”: رضى الشهيد الجنوبي شكرالله كرم.