هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

73: انتقام من العاصمة

الخميس 19 تشرين الثاني 1998
– 73 –
فيما قلب الأرض في وسط بيروت يحسر عن كنوز من تاريخنا فينيقية وكنعانية ورومانية ويونانية، وما بينها وما بعدها، من طبقات تشير إلى عراقة بيروتنا الخالدة فيكبر قلبنا بقلب بيروت، تطالعنا في هذا “الوسط” نفسه، وفوق الأرض هذه المرة، أشكال عجيبة غريبة ذات بشاعة وقباحة رهيبتين، فكأنها انتقام لما في قلب عاصمتنا من تراث وعراقة.
حديد بشع في قلب عاصمتنا. في “الوسط” الذي كلّما مرّ يوم عليه ازداد إعجاباً واعتزازاً به لكونه سيخرج واحداً من أجمل أوساط العواصم والمدن في العالم، تخطيطاً وتنفيذاً وتسهيلات ودخولاً عصرياً لائقاً إلى القرن الواحد والعشرين.
حديد بشع. من سلّط على قلب عاصمتنا هذه البشاعة؟
أفهم أن يزدان “الوسط”، ولو موقتاً حتَّى تكون انتهت الأعمال فيه، بأعمال نحتية أو نصبية أو تشكيلية أو فوتوغرافية عملاقة (راجعوا طريقة “مؤسسة ناديا تويني” في هذا الأمر الفني الحضاري الراقي)، ولكن لا أفهم- ولا المواطنون المارّون يومياً ببشاعة الحديد في “الوسط”- كيف تغتال “وسط” عاصمتنا هيئات أو أشكال أو أعمال (يسميها البعض “كائنات”!) ليس فيها من النحت ولا من الأنصاب ولا من الفن التشكيلي نزر جمال أو جمالياً، ولا هي تخضع لأدنى مستويات الذوق أو الفن.
حديد بشع. من سلّط على قلب عاصمتنا هذه البشاعة؟
ومن قال إن المواطنين يأنسون بالتمعّن في هذه الحديديات الكابوسية حين عينهم التي بدأت تعتاد “الوسط” تحتاج إلى أنصاب أو تماثيل جميلة تحبب إليهم ما سيؤول إليه هذا “الوسط”؟
تجريد؟ ومن قال ليس لدى نحاتينا تجريديات جميلة (حديدة أو خشبية أو حجرية نباهي بها ما لدى الكبار في العالم) نروح نعتادها تزيد “وسط” بيروت فنّاً على فن فيأنس السائح والمواطن معاً؟
حديد بشع في “وسط” عاصمتنا. ومع الأمطار الأولى يزداد صدأ على صدأ.
المسؤولون عنه، أيا كانوا، فليزيلوا هذه البشاعة قبل أن تخجل من كنوزنا التي، وهي تحت التراب منذ آلاف السنين، حسرت عن جمالها التاريخي، فكبرنا بها، وكبرت بها بيروت.