هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

65: صفات أخرى نُريدها فيه

الخميس 24 أيلول 1998
– 65 –
لا يزال يتلاطم موج “المواصفات” يغدقها النتبرعون على الرئيس العتيد.
المواصفات، عادة، تعطى للأشياء. للناس تعطى “الصفات”.
لا أحد من المتبرعين تنبّه أن للرئيس العتيد صفات أخرى نحتاجها فيه، غير نظافة الكف والضمير والقوة والوطنية والحزم وإرسال حرامية مغارة علي بابا إلى البيت أو الحبس.
من هذه الصفات أن يكون واعياً تفعيل لبنان وطناً للجودة لا الكثرة، وطن النوعية لا العددية، وطناً للقيمة لا للكمية، وهذا الأمر لا يكون إلاّ بتفعيل العقل اللبناني المبدع.
ليس هذا تنظيراً، ولا هذا التفعيل يصعب على رئيس يعي عبقرية لبنان الإبداعي.
رئيس يعرف أن مشروعاً ثقافياً واحداً قد لا يكلّف الدولة أكثر من مصاريف تزفيت كيلومتر أوتوستراد واحد، مع فارق أن تزفيت الكيلومتر يذهب سدى بعد سنوات فيحتاج إلى صيانة دائمة وإعادة تزفيت، بينما المشروع الثقافي تدفع عليه الدولة مرّة واحدة، وتكون صيانته منه وفيه، ويكون مردوده متواصلاً وتمويله ذاتياً ولا يعود يحتاج من الدولة إلى قرش واحد.
رئيس يعرف أن فرقة سمفونية واحدة أو فرقة مسرحية واحدة أو فرقة كوريغرافية واحدة تُموّلها الدولة وتروح ترسلها إلى كبرى عواصم العالم ومدنه ومهرجاناته الدولية، يكون للبنان منها مردود معنوي كبير لا يمكن أن يفعله عشرات السفراء الروتينيين مجتمعين.
رئيس يعرف أن معرضاً تشكيلياً واحداً جوالاً لنا في العالم، يعطي العالم فكرة جمالية مشرقة عن لبنان الحقيقي بعدما أغرقه بعض سياسييه في صورة قاتمة جعلت موسوعة “لاروس” تسم بـ”اللبننة” كل ما يعني التقاتل والتدمير.
رئيس يعرف أن صالة واحدة للعروض المسرحية والموسيقية والكوريغرافية تموّلها الدولة مرّة واحدة، تروح تموّل بعدها نفسها بنفسها، فتريح الفنانين من إرهاق إيجار الصالات الحارق، ويروحون يتشجعون على إبداع أفضل ما عندهم حين يكون الكابوس المادي انزاح عن عقلهم المبدع.
رئيس يعرف كل هذا وأكثر: يعرف أن الصفات التي يغدقها عليه المتبرعون، إنما هي على قياساتهم، لا على مستوى طموح لبنان.