هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

44: أنطون سلامة الموثـّق زوق مكايل مرجع تاريخي

الخميس 23 نيسان 1998
– 44 –
مرّة أخرى، تطل زوق مكايل واحة حضارية تاريخية، وفي كتاب موثق هذه المرّة، ومن إطلالة يكبر كلّ مواطن أن تكون عن ضيعته أو بلدته أو مدينته.
“زوق مكايل: أزمنة الحضور في تاريخ لبنان”، مجلّدان في 780 صفحة اشتغل عليهما الزميل أنطوان سلامة (من أسرة تحرير الأخبار في تلفزيون لبنان) طيلة عشر مضنية من التنقيب والبحث والاستقصاء ومقابلة المعمّرين في الزوق ومراجعة المكتبات القديمة العامة والخاصة.
ويحصن الكتاب عدد من الصور القديمة النادرة، تجعله مرجعاً مرّتين: للدلالة على ما لزوق مكايل من مكانة مهمّة في تاريخ لبنان القديم والوسيط (منذ 600 سنة، تاريخ أقدم الوقائع)، وصولاً إلى زوق مكايل اليوم، التي جعلها نهاد نوفل (رئيس بلديتها) قبلة الأنظار ومرنى التطلّعات وحلم كل واحة من لبنان.
ويلفت أن تكون الزوق ناهضت الأمير بشير بهيبة ابنها الشيخ بشارة جفال الخازن وبالانتفاضة العامية الأولى في تاريخ لبنان عام 1820.
ويلفت أن تكون الزوق ساهمت في تأجج عامية أنطلياس، وشهدت تكوين البذرة الأولى من ثورة 1840 (بهمة ابن الزوق ميخائيل المدوّر)، وكانت محطّة مهمة من تلك الثورة في قيادة الفيكونت الفرنسي أونفروى الذي جعل الزوق محطته لدعم الثورة (كما يقول القنصل الفرنسي هنري غيز في مذكراته).
ويلفت أن تكون أطلقت ابنها الياس المنير أول قائد لثورة الفلاّحين عام 1858، في خلوات واجتماعات سرّية أدّت إلى تأجج ثورة قادها بعدئذ طانيوس شاهين بمساعدة الزوقيين.
ويلفت أن تكون الزوق ساندت يوسف بك كرم في معارضته سلطة قائمقام النصارى بشير أحمد أبي اللمع، فانطلقت الشرارة الأولى من سوق الزوق الذي كان يتردد إليه يوسف بك كرم.
ويلفت أن سوق الزوق كان مكاناً تاريخياً للحرية والأنفة والكرامة، حتَّى أن السجين الذي كان يمرّ في السوق كان من الفرض فك وثاقه حتَّى يعبر البلدة، دلالة على الحرية التي كانت تتمتّع بها زوق مكايل.
ويلفت أن يقوم نظام المتصرفية فتقوم مديرية الزوق إحدى المديريات التسع الكبرى في لبنان، لِما كان في الزوق من معامل منتجات زوقية وخير وفير.
ويلفت أن تقوم عامية زوق مكايل (1902-1904) ضدّ مشايخ آل الخازن وضدّ البطريركية المارونية، وهي انتهت بانتصار الزوقيين على النظام وتحررهم من الوصاية الخازنية.
وتلفت أمور كثيرة أخرى نت تاريخ لبنان، أعلاماً وأحداثاً ومحطّات، يزخر بها كتاب أنطوان سلامة الدقيق التنقيب والمراجع والمصادر والنص، وهو لم يترك فاصلة من تاريخ الزوق إلاّ ونشّبها وأظهرها في سرد مشوّق سلس، يسيح معه القارئ في واحدة من أعرق واحاتنا اللبنانية على الإطلاق.
بعد هذا الكتاب، لم تبقَ زوق مكايل بلدة النول والحرير والمرصبان وحسب، كما يشيع، بل تبدو قلعة لبنانية تحصن العز والكرامة والروح اللبنانية التي لم تقبل الزغل.
أنطوان سلامة، في كتابه، وضع حجراً أساساً في كيفية التأريخ لبلدة هي في واجهة التاريخ. فلينتهج عمله كل لبناني قادر، لبلدته أو ضيعته، حتَّى يكثر الجنى على البيدر، ونقدّم إلى أجيالنا الطالعة لبنان الذي يجب أن يعرفوه، كما يجب أن يعرفوه.