هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

29: يُحاكمونه حيث الثالوث حرية، مساواة، أخوّة

الخميس 15 كانون الثاني 1998
– 29 –
يحاكمون روجيه غارودي.
في فرنسا- فرنسا روبسبيير وميرابو وخلع بوابة الباستيل من أجل الحرية، فرنسا التي قالت ذات يوم “لا” لمنقذها شارل ديغول فذهب منصاعاً إلى “كولومبيه لي دوزيغليز” احتراماً للديموقراطية، فرنسا التي نقشت كلمة “الحرية” على نقدها تأكيداً على إيمانها بها-، في هذه الفرنسا بالذات، يحاكمون روجيه غارودي.
ما جريمة هذا المفكر التسعيني؟
أنه كتب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” (وكان كتب قبله “ملف إسرائيل” و”فلسطين أرض الرسالات”)، وأن أفكاره “مناهضة للصهيونية”، وأنها “تصطدم بالأساطير اليهودية”، وأن كتاباته “معادية للسامية”.
في نيسان 1984، وكنا في طريقنا بالباص من القاهرة إلى الاسكندرية من ضمن “مهرجان القاهرة الأول للإبداع الشعري”، تسنّى لي أن أجالس روجيه غارودي ردحاً من وقت المسافة. وحدّثني عن الموضوع، وعن الزيف الذي تعتمده دولة إسرائيل لا في احتلالها على الأرض وحسب، بل قبلها على التاريخ، معتمدة على أساطير لديها “معترفاً بها عالمياً في مختلف الديانات”، وعلى هالة “أرض الميعاد” التي تتخذها حجة كي تلملم اليهود من العالم وتأتي بهم إلى فلسطين، وتتوسّع مرّة بالحرب وأخرى بالمستوطنات، وأخيرة لا آخرة باعتداءاتها على جنوب لبنان وبقاعه الغربي، تاركة لبنان ورقة تعبث بها في المفاوضات، ونزفاً جنوبياً يكلّف لبنان منذ نصف قرن اهتزازات أمنية وديموغرافية ولوجستية يحتملها غالباً عن كل العرب.
يحاكمون روجيه غارودي.
ولعلّهم أيضاً- وبضغط مباشر وسافر من الحركة الصهيونية- يرمون إلى محاكمة “وجيه” غارودي (إسمه الأول بعدما شهر إسلامه أخيراً)، ما دامت الصهيونية المبنية أصلاً على الحجج (!؟!) الدينية، تحاول أن تؤذي من حولها بالدين، ليقينها أن منطقة الشرق الأوسط تتأثر بالفروعات الدينية فتتأجج فيها الاضطرابات.
ولأن الصهيونية أصلاً على العنصرية (الدينية والعرقية- أبيسوا يدّعون بأنهم “شعب الله المختار”؟-)، ولأن الصهيونية قائمة أيضاً على تعيظم الأكاذيب لجعلها هالة حججية (الأفران النازية وحرق “ملايين” اليهود فيها)، ولأن الصهيونية قائمة كذلك على الإعلام (عشرات الأفلام عن “الهولوكوست” وتضخيم “البؤس” (!؟!) في الغيتوات، وإعلاء الصوت في دعم كل فنان شهير يهودي لإيصال صوته أبعد لا آخراً على إخراس (!) كل صوت يدحض أكاذيبها وأقوالها وأساطيرها الدينية والمدنية، ها هي ذي اليوم في فرنسا- فرنسا الثالوث الذي توزعه الست “أمنا الحنون” على العالم. “حرية مساواة، إخاء” تجري محاكمة روجيه غارودي.
شكراً لـ”دار الندوة” على موقفها النبيل، وللمنتدى القومي العربي ولنقابة المحامين على مبادرتها الشجاعة، والأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب على تحركها بيانها القوي، وشكراً لكل قلم شريف يكتب كلمة ضمير حرّ، في هذا المفكر الذي يحاكمونه لأنه فضح الدولة التي اغتصبت فلسطين ذات يوم، وما زالت كل يوم تغتصب… جنوب لبنان.