هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

28: كميل أبو صوّان “مضطر” و”يئسْت”

الخميس 8 كانون الثاني 1998
– 28 –
عابراً وموجزاً وشبه هامشي، مرّ الخبر في “لوريان- لوجور”، ولم يتحرك له قلم ولا صوت.
السفير كميل أبو صوان، ومرة ثانية (بعد أولى عام 1993 لدى “سوثبيز” لندن) عرض مجموعة من مكتبته الثمينة وباعها بالمزاد العلني (قاعة المزادات في فنقد دروو- باريس)، تضمنت كتباً نادرة، معظمها بات مفقوداً تَماماً، كما أوردت “لوريان- لوجور”. ومن هذه الكتب:
1- “بحر القصص” (4 أجزاء، طباعة 1517-1518)، مع 24 لوحة من الكتاب محفورة على الخشب.
2- “شانفلوري” لجوفروي توري (طباعة 1529)، وفيه ظهرت أول أبجدية عربية محفورة ومطبوعة.
3- “القانون في الطب” لابن سينا (طباعة 1593)، أول كتاب علمي مطبوع بالعربية.
4- “رحلة إلى المشرق” للكونت دو فوريان (طباعة 1823) ومعه 78 محفورة أصلية للكتاب.
5- “كتاب الأسفار” لجان موكيه (طباعة 1665)، وفيه ظهرت أول صورة مطبوعة للدبكة اللبنانية.
6- 150 كتاباً من مطبعة الشوير بينها مؤلفات لابرهيم الحاقلاني وجبرائيل الصهيوني وناصيف اليازجي.
7- “كتاب الأخبار” للمؤرّخ جان فرواسار (4 أجزاء- طباعة 1544) من مكتبة أحد قياصؤة روسيا.
8- كتاب “التواريخ” للمؤرّخ اليوناني بوليب (6 أجزاء- طباعة 1727) وفيه فصول نادرة عن هنيبعل، ومعه 123 محفورة أصلية من الكتاب (وهو أصلاً في 40 جزءاً لم يبقَ منها سوى تلك السنة).
* كتاب “حكايات لافونتين”، “كتاب المزارعين” (قيل فيه إنه أجمل كتاب محفورات في القرن السابع عشر لجمال المحفورات فيه)، وعشرات الكتب الأخرى التي أمى كميل أبو صوان عمراً في جمعها وشرائها والاعتناء بها ليكون لبنان، لا سواه، هو من يقتنيها.
ولدى السؤال عن السبب في إقدامه ثانية على أخذ كتب من مكتبته النادرة وبيعها بالمزاد العلني، أجاب السفير الصامت باختصار: “مضطر”، وأقفل الحديث، وعاد إلى صمته. وكان في المرة الأولى (1993) أجاب عن السؤال نفسه: “يئست من إقناع الدولة اللبنانية بشراء هذه الكتب للمكتبة الوطنية اللبنانية”.
“مضطر…” و”يئست…” كلمتان تختصران ما نتخبط فيه من “تعتير” ثقافي، في دولة تنهض عمرانياً و”شوارعياً” وأنفاقاً وجسوراً، وتغفل عن النهوض الثقافي بمستوى يجعل لبنان مرجعية ثقافية عالمية.
معادلة بسيطة: العمارات والأنفاق والجسور والشوارع، يتم الإنفاق عليها مرة، وتحتاج إلى إنفاق مستمر لصيانتها كل مرة، بينما العمل الثقافي (مكتبة وطنية، مسرح وطني، دار أوبرا، فرقة سمفونية…) يتم الإنفاق عليه مرّة واحدة، ولا يعود يحتاج إلى إنفاق ولا إلى صيانة، وأكثر: يمول نفسه بنفسه، وينفق على نفسه وعلى غيره، وأكثر بعد أكثر: تزداد قيمته سنة بعد سنة.
لن أكون شتاماً ولا متشفياً فأتوجه بالكلام إلى وزارة الثقافة (على غرار الذين يستوطون حيطها بدون مسؤولية)، بل أشير في خجل العار إلى الذين في يدهم الحل والربط بوضع ميزانية للدولة تعلو لـ”وزارات الخدمات” وعند الوصول إلى الثقافة يَختزلون موازنة التقشّف فتهبط إلى أرقام… التعتير.