هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

21: صوتها بدّد الصمت

الخميس 17 تموز 1997
– 21 –
بنبرتها كوقع الصنج في الصمت المدوي، رشّت ذهبت صوتها على ليل بيروت، فتردّدت أصداؤه في القلوب، في الأسماع، وفي الأيادي التي لم تتعب من تصفيق.
شيرلي باسي، في “فوروم بيروت”، ليلتي أمس وأول من أمس، لم تكن حدثاًَ فنياً وحسب. كانت “حدثاً وطنياً” كرّسته هذه المغنية العالمية معياراً ناصعاً لعودة لبنان العصر الذهبي إلى لبنان بعد الحرب، ولكون لبنان لؤلؤة أعجوبية في هذا الشرق ومنارة متفرّدة.
وحين شيرلي باسي (في مطلع سهرتها) باحت بـ”علاقة الحب” التي تَمّت بينها وبين بيروت يوم جاءتها قبل ثلاثين عاماً، والتي شعرت بأنها “تَجدَّدت في لحظات” حين وصلتها هذه المرّة أيضاً، بادلها جمهورها بتحية هي أقرب إلى تصفيق الدموع منه إلى الأكف.
وكم ارتاحت إلى جمهور بيروت الذي كان يصفّق لمطالع الجمل الموسيقية الأولى من أغانيها، وجعلها تشعر كم جمهور بيروت يعادل أي جمهور في العالم معرفة بأغانيها وأعمالها، وهي، على أيّ حال، علامة لافتة من علامات جمهور بيروت الفني.
وكم كان يظهر تأثيرها عند استعادة جمهور بيروت أغانيها أو بعضها، وكان يشير إلى التفاعل التام بين هذا الجمهور الثقيف وهذه المغنية العالمية التي بات بيتها المسرح وزوّارها جمهوراً من مختلف العواصم والمدن والشرحات في أربعة أقطار الدنيا.
وكانت تعود إلى المسرح. بفرح تعود. وبسمة ارتياح وغبطة. وتكرر “شكراً، شكراً” من القلب، كأنما هي تعرف أن حكاية الحب التي بينها وبين بيروت تتفاعل وتتردد، ليبقى لبنان في سيرة شيرلي باسي لا مجرّد ذكر لبلد غنّت على مسرحه، بل لعلامة مضيئة في ذاكرتها الفنية وهي تقف على مسارح العالم.
وكان الديكور في “فوروم بيروت” لائقاً، وكانت الإضاءة باسمة، وكان الجمهور مهذب التصفيق ومهذب الإصغاء ومهذب التواصل، مما يشير إلى أن مستوى جمهور الفن في لبنان مش صحيح أنه يتوقف عند “صيصان المطاعم وقبابيط القهاوي”، بل يتواصل والمستوى العالي والعالمي للفنانين الذين يزورون لبنان. والكبار الذين استقطبهم “فوروم بيروت” حتَّى اليوم (إنغلبرت، كاريراس، فنانو مهرجان الأوربت الأولى الثاني، فرقة سكوربيون، باليه رافييل آغيلار، عادل إمام ومسرحيته “الزعيم”، وقريباً خوليو إغليزياس)، دلّت على ثقافة الجمهور اللبناني في كل مستوياته، وما يجعله معياراً للحفلات العالمية الناجحة، على مستوى أي جمهور في العالم، وإن كانت شرحة منه (قليلة رغم طنينها المزعج) تختلف إلى أماكن هز البطن وزعيق صيصان المطاعم وقبابيط القهاوي.
شيرلي باسي في بيروت، قطفت ضوءاً لها جميلاً من لبنان، لكنها أيضاً، من حيث لا تدري، سجلت ضوءاً للبنان في العالم يعيده إلى مجد كان له، وها هو يعود، وأكيداً- أكيداً- بأجمل مما كان.