هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

الحلقة 20: يا قمر مشغره… عاد إليك زكي ناصيف

(الجمعة 12/3/2004)

لبنان، منذ يوم أمس، بدون زكي ناصيف.
أَلذي غنّى لبنان، فَذُقنا في كلماته وألْحانه وصوته نكهةَ التفاح وعصيرَ حبوب العنب وتفتُّحَ أكواز التين، وشَمَمْنا في أغنياته أرجَ الورد التاكي على السياج، وعبقَ الياسمين الْمُعَربش على الْمداخل، أغمضَ عينيه صباح أمس على السياج والْمداخل، ودَّعَنا وقال: “تركتُ لكم لبنانَ الْجمال والفرَح، فَصونوه وغنُّوه، واحملوا أغانيه الشعبيةَ الى أولادكم، قبل أن تدهمهم موضةٌ مستوردَةٌ مزيَّفة فيبتعدوا عن أصالة لبنان”.
الوتر الذي لَحَّن “طلّو حبابنا طلّو… نسِّم يا هوا بلادي”، سكت أمس، فحزن “حبابنا” ووجم “هوا بلادي”، نُغْصَةً على الذي غنى لنا الفرحَ والعرس، والدبكةَ والْميجانا، ومواويل السهر وأوف العتابا، وأغاني جبالنا السمراء ذات العافية.
زكي ناصيف، غادرنا أمس، لكننا، نَحن، لن نغادرَه.
سنبقى معه يومياً على مواعيد، كلّما سَمعنا صوته في أغنية، كلّما سَمعنا لَحنه في صوت، كلّما تناهت إلينا كلماتُه الْملأى بطعم التفاح والْخوخ، الْمشبَعَةُ بِالحكايات من حفافي العنب والتين، وكلّما هزجَت صبيّة في ضيعةٍ أو شابٌ في احتفال: “راجع راجع يتعمّر راجع لبنان”.
منذ غدٍ السبت، تضم مشغره، الى ترابها، رفاتَ الكبير الذي ولد فيها قبل ثمانية وثمانين عاماً، وزرع العالَم لبناناتِ قيمٍ وجمال الى مديد الأعوام الآتية.
وبعد اليوم، بات لنا معنى إضافيٌّ آخر لسَماعنا: “يا قمر مشغره، يا بدر وادي التيم، يا جبهة العالي، وميزَّره بالغيم”.
بعد اليوم، ستكونُ عاليةً أكثر جبهةُ مشغره، لأنها ميزَّرة لا بالغيم وحسب، بل بغفْوَة ابنها الوفي: زكي ناصيف.