هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

82- السيف أمضى؟ أم السخرية؟

4 تشرين الثاني 2008 العدد 12728 السنة 37

يدور القول أحياناً إن الكلمة أمضى من السيف. وقد يكون هذا صحيحاً في بعض حالات الغضب أو الصراخ أو الانفعال، وهي حالات تستوجب غالباً رداً في الحجم نفسه من الغضب أو الصراخ أو الانفعال.
غير أنّ الكلمة الأشدّ وقعاً وفعلاً واختراقاً، هي تلك الساخرة التي أقوى من الغضب وأعنف من الصراخ وأعلى من الانفعال، لأنها غالباً تُخرس الموجَّهة إليه فلا يَملك رداً، أو يَحار به فيخبو.
من تلك العبارات الساخرة مثلاً، القول عن أحدهم إن له “أُذُن فان غوخ في الموسيقى”، والمعروف أن فان غوخ كان مقطوع الأُذن، من هنا الطعنة الجارحة لمن لا يفقه في الموسيقى ومع ذلك يعطي رأيه فيها.
ومنها قول النائب في البرلمان الإنكليزي غلادستون لرئيس الوزراء بنياميان ديزرائيلي: “سيدي، ستموت إما على حبل المشنقة أو من جرثومة فتاكة”، فأجاب ديزرائيلي على الفور: “حسب، إن كنت سأتبنى آراءك السياسية أو سأتبنى عشيقتك”.
ومنها قول أحدهم: “لم أقتل يوماً أحداً. لكنني كثيراً ما شعرت بفرح كبير وأنا أقرأ نعي بعضهم”.
ومنها قول وليم فولكنر عن إرنست همنغواي: “مسكين. أُسلوبه بسيط ساذج حتى أن قارئه لا يحتاج ولو مرة واحدة الى القاموس”. وحين بلغ همنغواي هذا القول أجاب: “مسكين فولكنر، أيظن أن العواطف الكبرى لا تأْتي إلا من الكلمات العويصة”؟
ومنها قول مارك تواين: “لم أحضر جنازته، لكنني أرسلتُ رسالة لطيفة لأُثني عليها”، أو قوله يوماً لأحدهم ساخراً: “لماذا تجلس هكذا تنظر في الفراغ، كظرف رسالة مفتوح لا عنوان عليه”؟
ومنها قول أوسكار وايلد: “لا أعداء له، لكن أصدقاءه يكرهونه جداً”. وقوله أيضاً: “من الناس مَن يَخلقون السعادة حولهم حيث يذهبون. ومنهم مَن يَخلقون السعادة حولَهم حين يذهبون”.
ومنها قول أريون كوب: “الآن علمتُ بمرضه. آمل ألا يكون مرضاً تافهاً”.
ومنها قول أندرو لانغ: “يستعين بالإحصاءات والأرقام عشوائياً كي يدعم أقواله، كما يستعين السكران بعمود الكهرباء في الشارع كي يدعم وقفته فلا يقع”.
ومنها قول توماس براكيت ريد: “لا يفتحون أفواههم ليزيدوا كلامهم إلاّ وينقص مَجموع المعارف الإنسانية”.
ومنها قول جاك ليونارد: “ليس لديه عيب لا يُمكن إصلاحه في حياته المقبلة”.
ومنها قول ستيفن بيشوب: “أشعر بالأسى بعيداً عنك، تَماماً كما لو انك هنا”.
ومنها قول ماي وست: “كم كان أفضل لو انه أمه رمت به بعيداً واحتفظت بحبل السرة فقط”.
كان يمكن (وذلك أسهل لي) أن أكتب مقالاً هذا الأسبوع، ككل أسبوع، ثقافياً أو نقدياً. لكنني أجمع هذه الأقوال الساخرة منذ فترة، وأنتظر نشرها معاً في وحدة واضحة، هي اليوم السخرية القاسية في القول.
ومتى فكّكنا العبارة الساخرة، فكرةً فكرة وكلمةً كلمة، انفتح لنا أفق صاحبها في حدة ذكائه وسرعة إجابته، ليبقى أن السخرية، في القول أو الكتابة، هي فعلاً، الأشدّ ذكاءً، والأمضى من السيف.