هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

خارطة في “موسيقات” العالم العربي
النهار العربي 106 – الجمعة 5 تشرين الثاني 2021

هنري زغيب

بين الـمُقرئ الشيخ عبدالباسط عبد الصمد (مصر) وفريق “نار” لموسيقى الراب (المغرب) امتدَّت دراسة الكاتبة كولين هوسِّيه (Coline Houssais) في كتابها الجديد “موسيقات العالم العربي – أَنطولوجيا 100 صوت” (منشورات “الكلمة والبقية”، مرسيليا 308 صفحات قطعًا وسطًا).

 خطأ في الصفحة الأُولى

في مطلع مقدمتها الطويلة “صُنْع أُمَّةٍ بالموسيقى” (67 صفحة) كتبَت المؤَلفة: “من نواكْشوط إِلى الخرطوم، مرورًا بدمشق ومسْقط، ليس مَن لم يسمع نغمات الأَكورديون البطيئة الحزينة التي على إِيقاعها يصدح صوت الديڤا اللبنانية فيروز النقي بأَبيات مواطنها جبران خليل جبران: “أَعطِني الناي وغَنِّ، فالغنا سرُّ الوجود”. ورافقَت هذا المطلعَ صورةُ أُسطوانة الأُغنية وفيها اسم الملحن نجيب حنكش. لكن المؤَلفة أَخطأَت في حاشية الصفحة بذكْرها أَن القصيدة “صدَرَت أَولًا بالإِنكليزية سنة 1918”. والصحيح أَن القصيدة مقطع متكرر في قصيدة “المواكب” التي أَصدرها جبران بالعربية كتابًا سنة 1919 (منشورات جريدة “مرآة الغرب” – نيويورك). لكنَّ هذا لا يقلل من أَهمية المقدمة ولا من رصانة هذا الكتاب الحامل 100 نبذة موثَّقة عن 100 مغنٍّ ومغنية من العالم العربي.

هي

 كولين هوسيه (مولودة في نانْتْ سنة 1987) اختصاصية في التاريخ الثقافي للهجرة العربية إِلى أُوروپا والأَنماط الموسيقية في العالم العربي. تخرجَت من معهد العلوم السياسية في پاريس، وتدرِّس فيه حاليًّا. وكانت تابعت دروسًا لدى “المعهد الفرنسي للدراسات العربية” (دمشق) ثم لدى “المعهد الوطني للُّغات والحضارات الشرقية” (پاريس). أَسسَت في پاريس “وكالة أُستاذة”، صدرَت عنها دراسة “بلابل بغداد” وهي تسجيل صوتي مع مرافقة موسيقية للعهد الذهبي من الموسيقى العراقية. لها مؤَلفات عدة في المجال الموسيقي منها: الجزآن الأَولان من سلسلة “عَرَبُوراما” الصادرة عن معهد العالم العربي في پاريس. وإِلى الفرنسية، لغتِها الأُم، تُتقن الإِنكليزية والعربية وتترجم منها وإِليها لأَعمال سينمائية وتشكيلية.

الأَصوات المئة

أَحدثُ نتاجها كتابُها الجديد هذا لدراسة الأَنماط الموسيقية في العالم العربي. طبعًا لا مجال هنا لتعداد الأَصوات المئة في الكتاب، غناءً أَو عزفًا، لكن المؤَلفة جمعت كوكبة واسعة من 20 دولة عربية تدور في فلك “الموسيقات” العربية، منها صبري مدلَّل (حلب) وسيّد درويش وأَسمهان وعبدالوهاب وناظم الغزالي وأُم كلثوم وفريد الأَطرش وفيروز ووديع الصافي وعبدالحليم حافظ ووردة الجزائرية وصباح فخري ومحمد عبده وماجدة الرومي وسميرة توفيق وكاظم الساهر وإِلهام المدفعي والشاب حسني والشاب خالد والشيخ إِمام وزياد الرحباني ومرسيل خليفة ومطر محمد ومنير بشير ولطفي بوشناق، وبعض أسماء الموجة الجديدة السائدة حاليًّا في وسائل الإِعلام ووسائط التواصل الإِلكترونية.

خارطة الكتاب

 رسمَت المؤَلفة خارطة لـ”الموسيقى العربية في أَطوارها المختلفة وإِيقاعاتها المتنوعة عربيًّا ونُوبيًّا وكرديًّا وبربريًّا بين القاهرة وبيروت وتونس وبغداد، كما بين الرباط والدار البيضاء والمنامة والجزائر العاصمة”. ومنها استنتجَت “صعوبة البحث عن تناغُم موحَّد بين أَنماط الموسيقى التقليدية في العالم العربي… خصوصًا أَن اللهجات العربية ليست في معظمها متقاربة بل تمتزج في بعضها لهجات غير عربية”. وتوقَّفَت ببعض التفصيل عند “مؤْتمر القاهرة للموسيقى العربية” (ربيع 1932) وهو جاء “نتيجة مرحلة بدأَت قبل نحو قرن، حين بادر محمد علي في مصر، إثْرَ انتهاء حملة نابوليون سنة 1801، إِلى التخلُّص من الوصاية العثمانية على بلاده بتحديث الدولة وفْق النموذج الأُوروپي، فعرف الشرق الأَدنى طوال النصف الآخر من القرن التاسع عشر تجديدًا ثقافيًّا وسياسيًّا سُمَّي “عصر النهضة”، جعَل أَن تكون مصر قلْب هذه النهضة فكريًّا وصحافيًّا وأَدبيًّا. وبعد خمسين سنة، كان لحفيد محمد علي: الملك فؤَاد الأَول أَن يُحْدِث التطوُّر في الموسيقى بإِثبات طابعها العربي، فكان المؤتمر الذي استمر بضعة أَسابيع وشارك فيه أَعلام من مصر (بينهم محمد القصبجي وأُم كلثوم) ومن المغرب والمشرق (…) وهو ما أَوجَد محورَين يتمايزان لغويًّا وسياسيًّا: المغرب تحت الاحتلال الفرنسي منذ القرن التاسع عشر، والمشرق الذي كان تحت الاحتلال العثماني منذ القرن الخامس عشر (…). ولأَن المسافات في المشرق متقاربة بين البلدان والمدن (دمشق، حلب، القدس، يافا، بيروت، طرابلس، الإسكندرية، القاهرة) شهِدَ النصف الأَول من القرن العشرين انتقالات بينها لعدد من الموسيقيين معظمهم صوب القاهرة: من سوريا سامي الشَوَّا، من لبنان حليم الرومي، … وفي الخمسينات ظهر الأَخوان عاصي ومنصور الرحباني في بيروت ليُنشِئا موجة جديدة من الموسيقى دعَمهُما فيها الفلسطيني صبري الشريف”.

وانتقلَت من الفردي إِلى الجماعي فنوَّهت بأَهمية المهرجانات في رواج الموسيقى العربية (معرض دمشق الدولي وكانت غالبًا نجمته فيروز، مهرجان بعلبك الدولي منذ 1956، مهرجان بيبلوس منذ 2003).

الأَنماط الرئيسة

سردَت المؤَلفة تطوُّر الوسائط الموسيقية من الأُسطوانة إِلى الكاسيت إِلى الأُسطوانة المدْمجة إِلى المنصات الإِلكترونية إِلى انتشار المحطات الإِذاعية والتلفزيونية الخاصة وما نشأَ فيها من برامج أَطلقت أَصواتًا جديدة من الجيل الجديد.

هكذا شكَّلت كولين هوسيه كتابها من عناصر تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية، وخلُصَت إِلى أَنْ ليس من “موسيقى عربية” واحدة ذات نوع محدد معروف بل أَنماط متعددة بين الديني والمعاصر والحديث، بين العود التقليدي في العراق والموسيقى التقليدية السعودية، بين الأُغنية الكلاسيكية والأُغنية الشعبية، وسواها.

كتاب كولين هوسيه أَبعدُ من بيوغرافيا أُفقية وبيبليوغرافيا تعدادية. إِنه رحلة ممتعة في معارج الموسيقى العربية وأَعلامها، ثمرة عشرة أَعوام من البحث والاستماع والتحليل والمقارنة والمتابعة فالكتابة، ما يشكِّل موسوعة مصغرة من التوثيق عن “موسيقات” العالم العربي بغناها وغنائها وأغنياتها معًا.  

          كلام الصور

  • كولين هوسيه وكتابُها
  1. يوم توقيع كتابها في پاريس
  2. مشاركتُها في مهرجان “أَرابِسْك” – مونپلييه
  3. تُجيب في ندوة عن كتابها الجديد
  4. أُمسيتُها “نزهة موسيقية في العالم العربي” (پاريس)