هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

تمهيد: لماذا “الكلمة”؟

الأربعاء 2 حزيران 2010

سلسلة جديدة من “النهار”: “الكلمة الأَحَبّ”
تمهيد: لِماذا “الكلمة” ؟

“في البدء كان الكلمة”…
إنها الدعوةُ والعودةُ دائماً الى الكلمة. الكلمة الأصل. الكلمة الجذع. هي البدء والختام.
بِها تتكوّن العبارة، ومن العبارات الجملة، ومن الْجُمَل النص، ومن النصوص اللغة.
وما الكلمة؟
هل حروفٌ، مُجرَّدُ حروف؟ هل مضمونٌ ذو معنى، ذو مدلول؟ هل شكلٌ ذو جمال؟ هل رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
*) للكلمة جماليّتُها التي تَمنح اللغة جمالياها. ما الذي نُحبُّه في هذه الكلمة أو تلك؟ هل صوتَها ملفوظةً؟ هل شَكلَها مكتوبةً؟ هل تَجاوُرَ حروفِها شكلاً أو لفظاً؟ وهل جميع الحروف صالحةٌ كي تتجاور في كلمة واحدة؟ وما الذي يجعل الحروفَ مُمَوسَقَةً متناغمةً تغنّي في كلمة، ومتنافرةً متلاطمةً تزعِجُ في كلمة أخرى؟ الألسنيُّون اشتغلوا على الكلمة مُشَرَّحةً الى حروف، وأَضاؤوا على ماهية الكلمة حروفاً ومدلولاً، وسياقاً قد لا يكون كاتبُها تَنبَّه له وهو في حالة الكتابة.
*) وللكلمة موقعُها في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها أو متلقّيها ارتباطاً ذا علاقة بأسباب تختلف بين شخص وآخَر: أسباب نفسية أو اجتماعية أو لغوية أو ثقافية (نشأته، بيئته، حضارته، ثقافته، …) فيُحبّ هذه الكلمة أو تلك، ولا يُحب أن يستعمل (شفاهةً أو كتابةً) هذه الكلمة أو تلك. من هنا كلماتٌ تتردّد عند كاتب حتى لنعرف أن النصّ له حتى قبل أن نقرأ اسمه، وخصوصاً حين يكون قاموسه ضئيلاً فتتكرّر في نصوصه كلماتٌ بعضُها في وعيه والآخرُ منها عفوي غير مقصود.
*) وللكلمة بُعدُها الأبعدُ من ذَوق استعمالها أو تَجنُّب استعمالها. فللمعنى مدلولٌ ذو بُعدٍ شَخصيٍّ بَحت: عاطفي، أو اجتماعي، أو روحاني، أو حتى مهني (كلمة “بَحر”، مثلاً، تَعني للشاعر غير ما تعني للرسّام أو الموسيقي أو البحّار). من هنا ارتباطُ الكلمة بالموقع (المكان، البيئة، المهنة، الخبرة،…) وبشخصية مستخدمها. ومن اختلاف الأبعاد في استعمال الكلمة يكون غنى اللغة والاشتقاقات التي تَنْجُمُ عن هذا الغنى. فاللغة الحيّة تَغنى بتراكيبها. والتراكيب تَغنى ببراعة كلمات تتجاور في صنعة كاتبٍ مبدع. فلا معنى بدون جملة ذات معنى. والمعنى عملية اصطلاحية. من هنا المدلول السيمانتيكي (علم المعاني) والمدلول السيميوتيكي (علم الدلالة).
*) وللكلمة معناها الاصطلاحي الكَيفي. في “حوارات” أفلاطون مع اثنين من مريديه: كراتيلُس وهرموجينُس، جدليةٌ حول معنى الكلمة: “أهو اصطلاحي أم طبيعي؟ وهل اللغة نظام علامات كيفية أم للكلمة علاقة عضوية بما تعنيه”؟ من هنا علاقةُ الكلمة بالمعنى، بالمدلول (كلمة “أحمر”، مثلاً، تعني الكَرَز لأحدهم، والدم لثانٍ، والتفاحة لثالث، والعلَم اللبناني لرابع، الخ…). فالكلمة وَحدة متكاملة آتية من حاجة (أو خلفية) ذاتية (علمية أو ثقافية أو اجتماعية) تُخصِبُها عند استعمالها ليكون لها معنى يتأطّر في السياق. ثمة كلمة لها مدلولها في ذاتها، وكلمة أخرى لا مدلول لها إلا في السياق. فما علاقة الكلمة بالمعنى؟ بالمدلول؟ بالسياق؟
*) وللكلمة، في ذاتها، سياقُها الخاص (كلمة “باخرة” قد تدخل في النثر ولا تدخل في الشعر، بينما كلمة “سفينة” يقتبلها الشعر في سياق سائغ). معنى الكلمة مُهِمّ، لكنّ المدلول هو في لفظها كذلك. وللّفظ شراراته. فهل لفظُها سائغٌ في النثر كما في الشعر؟ سائغٌ مَحكياً كما هو سائغ مكتوباً؟
*) وللكلمة تاريخها وأصلُها وهُويّتها: هل هي أصليةٌ بنتُ لغَتِها؟ هل هي مركّبة؟ مستوردَة من لغة أخرى؟ مترجَمة عن لغة أخرى؟ هل مَحكيُّها صالِحٌ ليدخل في مكتوبها؟ أم هي صالحةٌ مَحكيةً فقط دون الكتابة؟ وهل هي، مكتوبةً، صالحةٌ كذلك في المحكيّ؟ وإلى أين تصل الكلمة: مَحكيُّها والمكتوب؟
***
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ” لتُجيبَ عن كلّ هذا الأعلاه.
كلمةٌ بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامُها لديك أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
سؤال نطرحه على المعنيين بالكلمة: كتّاباً، شعراء، أدباء، مؤلّفين، موسيقيين، مسرحيين، رسامين، نحاتين، أكاديميين، مثقّفين، مبدعين في كلّ حقل، … كي نصل في نهاية هذه السلسلة الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة”، انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
الكلمة هي المنطلَق: البيان جُمَل، والجملة عبارات، والعبارة كلمات، والكلمة حروف تتكَوّن لتكُون الكلمة هي الأصل، هي الأساس.
فلننطلقْ من الأصل، من الجذع، من الكلمة.
في البدء هي، وفي الختام.
_____________________________________
*) الأسبوع المقبل – الحلقة الأولى: جواب وليد غلمية