هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1462
زنبقة أَيَّار
“صوت لبنان” – الأَحـد 3 أَيَّار 2020

 وَعَينا عليه عيدَ العمَّال ذا وجهٍ واحد: مطالبةُ العمَّال بتحسين حقوقهم. لكنَّ له وجهًا آخرَ بهيًّا ذا رمزٍ ملوَّنٍ بالأَمل والفرح: تكريسُ الملك الفرنسي شارل التاسع منذ 1561 أَولَ أَيَّار عيدًا للحب، يقدِّم فيه العشَّاق لحبيباتهم باقةً مضمومةً من زهرة جميلة معروفة بـ”زنبقة أَيَّار” أَو “زنبقة الوادي”، أَو “الـمَضْعف”. وهي زهرةٌ ربيعيةٌ لطيفةٌ أَنيقةٌ حيويةٌ بيضاءُ، مزنَّرةٌ بأَخضَرَ ساطعٍ، عنْقها متطاولٌ في الفراغ، مشكوكةٌ فيه كوكبةُ أَجراسٍ صغيرة بشكل عناقيدَ على رأْسها تاجٌ مزهوٌّ جميل، تفوحُ منها رائحة عذبةٌ فَرِحَةٌ، ربط علماءُ اسمها اللاتيني “ماياليس” بشهر مايو أَي أَيَّار.

الأَوَّلُ من أَيار، عيدًا عالميًا رسميًّا، مرتبطٌ بنضال العمَّال في نهاية القرن التاسع عشَر للحصول على حقهم بالعمل ثماني ساعات فقط في اليوم، إِثْرَ تظاهُر 10 آلاف عامل في نيويورك أَمام القصر البلدي سنة 1884، ومُنذئِذٍ دَرَج إِعلان الأَول من أَيار عيدًا للعمل والعُمَّال يعلِّقون على صدرهم زهرة المَضعف البيضاء عوض النِسرينة الزهرية. لكنَّ للأَول من أَيَّار رمزيةً أُخرى ترقى إِلى حكايةٍ تروي أَنَّ الملك الفتى شارل التاسع رافق يومًا أُمَّه كاترين مِديتْشي إِلى مقاطعة دوفينيه، فأَهدى سيِّدها باقةَ مَضعَف للملك الفتيّ أَعجبَتْه، حتى إِذا تولَّى العرش راح كل الأَوَّل من أَيَّار يقدِّم منها باقةً إِلى سيِّدات القصر الملَكي، وأَمر أَنْ يُصبح هذا التاريخ دُرجَةً سنويةً انتشرَت من فرنسا إِلى دول أُخرى، وصارت هذه الزهرة رمزَ الأَوَّل من أَيَّار يُهديها العشَّاق حبيباتِهِم، عروسَ الأَناقة والجمال، صَبوحةَ الأَمل والفرح.

مع تطوُّر العصر الصناعي دخلَت هذه الزهرة عالم العُطور، فكانت الزهرة المفضَّلةَ الأَحَبَّ إِلى المصمِّم كريستيان ديور فأَطلق من عطرها سنة 1954 عطر “دِيُوريسِّمو” ووضعها شارةً على منتجاته العطرية وأَزيائِه النسائيَّة أَلوانًا وثَنِيَّات، وقدَّم للسيِّدات في الأَوَّل من أَيَّار عامئذٍ زهرةَ مَضعَف هديةً مع كل قاروة عطر، فانتشرت تلك الموضة وأَخذَت الزهرة معناها الأُنثَويَّ الجميل في كل أَوَّل أَيَّار.

من أَسمائِها أَيضًا: “زهرة أَيَّار”، “ناقوسَة الغابة”، “زنبقة الوادي” (جعلَها بلزاك عنوان إِحدى رواياته سنة 1836)، ، “عشبةُ ﭘـارناس” (في الميثولوجيا أَنَّ أَﭘُّـولون، إِله الفنون، كان يفرِشُ هذه الزهرة سجَّادةً عطريةً على أَرض الـﭙـارناس كي تَمُرَّ حبيباتُه التسْع فَلا يجَرِّحْنَ أَقدامَهُنّ).

هكذا إِذًا، فيما استذكارُ معظمِ الناسِ الأَوَّلَ من أَيَّار يقتصر على عيد العمَّال، يحتفل العالم منذ عُقُودٍ بأَيَّار شهرَ الجمال شِعرًا ورسمًا ونحتًا وسائرَ الفنون الجميلة.

ويرمز البعضُ بهذه الزهرة إِلى دمعة العذراء مريم، ذَرَفَتْها قبالةَ صليب ابنِها يسوع، فبات أَيَّار شهرًا مريميًّا مُكَرَّسًا، وباتت زهرةُ الـمَضعف رمزَ أَيَّار، نَوَّارِ الحقول بــ”زنبقة الوادي”، تلك الطالعةِ من طُهْر مريم وكلِّ عذراءَ عاشقةٍ نقيَّة.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib