هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 1130
إِعتذِرُوا
“النهار” – السبت 25 نيسان 2020

         خلال مراجعتي في جريدة “المعرض” – منصَّةِ ميشال زكور الصحافية الرائدة فترتَئِذٍ – سلسلةَ مقالاتٍ عن رجال القلم والسياسة نشرَها الياس أَبو شبكة بتوقيع “رسَّام” في “المعرض” الأُسبوعي ثم أَصدرها كتابًا بعنوان “الرُسُوم”* سنة 1931، عثرتُ على مقال كتبَه أَبو شبكة عن رئيس نادي الطيران في بيروت حبيب طراد، جاء فيه: “دُفِعَتْ إِليه النيابةُ فاشترطَ أَن توافق الحكومة على برنامجه، وفيه تصغيرُ حجم الحكومة لتخفيض نفقاتها. وإِذ تنسَّمَت الحكومةُ حيفًا عليها رفضَت شرطه فاعتذَر عن قبول الحقيبة الوزارية” (“المعرض” – العدد 919 – أَول أَيلول 1930). وكان شارل دباس أَصدر المرسوم 5195 (17 حزيران 1929) بتعيين 15 نائبًا، بينهم حبيب طراد عن المقعد الأُرثوذكسي في بيروت.

         حيال ما نشهد اليوم من “فضفضة” أَعداد النواب والوزراء، بحثتُ بعدُ عن هذا الوجيه البيروتي فوجدتُ عنوان: “نائب بيروت يستقيل من النيابة لعدم تطبيق برنامجه الإِصلاحي”، وفي الخبر: “استقال النائب حبيب بك طراد من عضوية مجلس النواب مفضِّلًا الابتعادَ عن النيابة في ظل نظامٍ لا يتَّفق مع برنامجه الإِصلاحي، ولأَنه قليلُ الأَمل بمن يشاركه من أَعضاء المجلس النيابي بالدفاع عن برنامجه النافعِ فكرةَ الاقتصاد التي تُنادي بها البلاد. لقد أَعرضَ عن الكرسي التي تستهوي الكثيرين من الطامحين إِليها، فأَثبَتَ رأْيه في الغيرة على وطنه، ورفعَ إِلى رئيس الجمهورية كتابًا هذا نصُّه: “فخامة الرئيس، قلَّدتموني شرفًا عظيمًا بالثقة التي أَولَيتمُوني إِياها بتعييني نائباً عن بيروت. ولَكَان يُسعدني أَن أَقف جهودي على خدمة بلادي لو اني كنتُ واثقاً من وُجود كتلةٍ في المجلس النيابي مصمِّمةٍ على تحقيق هذه الإِصلاحات الدستورية والإِدارية الواجبة للفَلاح العام، إِنما تأَكَّدَ لي أَنَّ ما أَمَّلْتُهُ غيرُ مستطاعٍ تحقيقُه. لهذا أَجدُني مضطرًّا للاعتذار عن قبول الشرف الذي أَوليتمُوني إِياه، راجياً أَن تقْبَلوا إِخلاصي وعرفانَ الجميل. نائب بيروت حبيب طراد” (“المعرض” – الأَحد 14 تموز 1929 – العدد 874 – ص2).

         وفي عدد آخرَ قرأْتُ عنوان “توفير شهرَين من راتب نائب” وفي الخبر: “قررَت الحكومة اللبنانية قبولَ استقالة النائب المعيَّن في بيروت حبيب بك طراد بعدما رأَت أَنْ لنْ يجديها الإِلحاحُ عليه بالعدول عن عزمه. وهي لن تُعيِّن خلَفًا له قبل تشرين الأَول المقبل، قُبَيل اجتماع المجلس النيابي، لكي توفِّر على خزينة الدولة راتبَ نائبٍ لشهرَين، وهذا نوعٌ من أَنواع سياسة الاقتصاد” (“المعرض” – الأَحد 21 تموز  1929 – العدد 877 – ص3).

         نعم: قبل 90 سنة كان بين السياسيين اللبنانيين مَن رَفَضَ مقعدًا نيابيًّا لأَن الحكومة رفضَت برنامجًا إِصلاحيًّا هيَّأَه يوفِّرُ على الخزينة، فاستقالَ واحتفظَ بكرامته.

         الذين اليوم يدَّعون “عفَّة” الإِصلاح ويتقاضَون رواتب “فضفاضة” حتى بَعد انقضاء نيابتهم، هل لهم بقيَّةُ كرامةٍ تَعِظُهم بما حَدَث في لبنان قبل 90 سنة؟

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib