هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أَزرار – الحلقة 1123
لا تنظيرًا ورقيًّا بل تنفيذٌ ميداني
“النهار”  –  السبت 7 آذار  2020

سأَعود بكم 123 سنة إِلى الوراء كي أَرى أَوضحَ ما يجري اليوم.

في مكتبة كلية الطب لدى جامعة ستانفورد (كاليفورنيا) كتابٌ فرنسيٌّ عتيق من 176 صفحة تعود طباعته إِلى سنة 1897، وضَعَه الطبيب بُنْوَى بُويـيه Boyer (1860 – 1898) أُستاذ الطب العلاجي وعُلوم الصحة بين 1889 و1897 لدى كلية الطب في جامعة القديس يوسف – بيروت.

الكتاب: “الظروف الصحية الراهنة في بيروت وضواحيها القريبة” وفيه مقدمة تشخيصية، 8 لوحات بيانية، خارطة لبيروت، 6 فصول موثَّقة بالأَرقام والوقائع لوضع بيروت عهدئذٍ، هي: طوبوغرافيا بيروت، الوضع الصحي داخل البيت، الظروف المناخية، أَوضاع التغذية، الأَمراض والأَوبئة وقابلية انتشارها، محجَر بيروت الصحي (الكرنتينا).

في المقدمة رأَى المؤَلف أَن “سكان بيروت وضواحيها ليسوا مهيَّإِين للتطورات الاقتصادية والاجتماعية” وأَنهم “غافلون عن وقاياتٍ ضرورية من الأَمراض وكيفية معالجتها، ويجهلون أَبسط مبادئ الدراية الصحية، ويفتقدون وسائط العناية المناعية العامة في المدينة (…)، وعلى المسؤُولين واجبُ المساعدة الاجتماعية والمادية ومعاقبة المخِلّين بالتعليمات الوقائية”. ويشخِّص المؤَلِّف أَن “نوايا المسؤُولين وحدها لا تكفي بل عليهم العمل وفْق مخطط وقائي عام يستبقُ وصول المرض لا الهرَع إِلى معالجته بعد تغلغُله في أَجسام المواطنين. وهذا عمل لا يقوم به فرد في السلطة أَو موظَّف إِداري بل يفترض التـئام اختصاصيين (أَطباء، مهندسين، خبراء في كل ميدان) لإِنقاذ المدينة من انتشار الأَوبئة القاتل”.

ويختم المؤَلِّف مقدمته بهذه المقولة: “لا أَغلى كلْفةً من المرض إِلَّا الموت. أَهمية الأُمم بثروتها البشرية، وأَحرى بها العنايةُ الـمُسْبَقة بثروتها قبل الانحلال”.

قلتُ أَعلاه: سأَعود بكم 123 سنة إِلى الوراء، كي أَرى أَوضحَ ما يجري اليوم.

وما يجري اليوم: ارتباكٌ وارتعادٌ وضياعٌ لأَن الوقاية الاستباقية مفقودة لدى المسؤُولين. واستفاقة محافظ مدينة بيروت على تعقيم الشوارع (بدعم إِماراتي) متأَخِّرة وضئيلة وثانوية لأَن الأَهم ليس “تعقيم بعض الشوارع” بل فورًا تشكيل هيئة طوارئ وطنية للصحة العامة في المرافق العامة والأَماكن العامة والسياسة الصحية العامة، لا اتخاذ قرارات تنظيرية على الورق بل تنفيذ إِجراءات ميدانية عاجلة في كل لبنان لوقْف هذا الغول الـمُرعب الزاحف إِلى لبنان.

غيرُ المهيَّـإِ للتطورات الصحية والاقتصادية ليس لبنان الشعب المتَّكل على حكَّامه بل هم حكَّامُه القاصرون عن الحكْم، المقصِّرون عن إِنقاذ الشعب، المقتصرون اهتمامًا على تطوراتهم السياسية لا التطورات الحاصلة في البلاد، المرتبكون الضائعون دُوَاريًّا في دوَّامة مفاجآت داهمةٍ ماليًّا واقتصاديًّا وصحيًّا “دوَّخَتْهم” فتصادَموا أَكتافًا بأَكتاف، وعجقةَ اجتماعاتٍ عقيمة بِلِجان ومستشارين، مُـمَــنِّــنِين شعبنا أَن نواياهم صادقة في عملهم الدؤُوب.

لكنَّ نواياهم لا تكفي لدرء الأَخطار، لأَنهم يبحثون عن ليرة ذهبية على نُور المصباح بينما الليرةُ ضائعةٌ هناك في عتمة الغابة.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib