هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1442 –
ما أَقسى أَن يَـمُرَّ العيد ولا يَـمُــرّ
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَد 15  كانون الأوَّل 2019

         مع هذا الأُسبوع، عادةً، تستعدُّ القلوبُ والنفوسُ والبيوتُ لِــلَيلة العيد: شجرةً متلأْلئة، مغارةً رمزية، زينةً في الشوارع والساحات، فرحًا في وجوه الأَطفال الـمُنتَظِرين الهدايا في العُلَب الـحُمْر وما فيها من دهشةٍ ترسمها براءَة الطفولة على غبطة الأَهل في أَرجاء البيت.

         عادةً، قلتُ؟ نعم. لأَننا هذه السنة نبدو خارجَ هذه العادة.

         القلوبُ واجفة راجفة خائفة مما كائنٌ وما قد يكون، النفوسُ في قلق واضطراب وحالة وُسطى بين اليأْس والغضب، البيوتُ في اهتمام بتأْمين الضروريّ الـمُلِحّ من الـموجبات الأَساسية للأَهل والأَولاد. الشوارع والساحات، البلدات والبلديات، قليلُها يَـتَّشح بزينة خجولة، وسوف يمر العيد فيها ولا يمر. وحدهم الأَطفال لاهُون عما حولهم، لا يتابعون القلَق في عيون أَهلهم، وينتظرون الهدايا في العلَب.

         ما أَقسى أَن يمر العيد ولا يمر!

         حين وطنٌ ينتحر فيه والدٌ لعجزه عن إِهداء ابنته منقوشةَ زعتر، حين ينتحر والدٌ لعجزه عن إِهداء ابنته قسطَ المدرسة، حين تلفُّ أُمٌّ لأَولادها رغيفًا فارغًا من حبَّة جبنة أَو لـحسة لبنة، حين موظف لم يعُد يتقاضى من راتبه سوى نصفٍ يكفيه حفنةَ أَيام من الشهر، حين يقف المواطنون صفوفًا ذليلةً في المصارف يستجْدون فُتاتًا من ودائعهم التي باتت بعيدة عنهم مسافات ضوئيةً حتى بات بلوغُهم إِياها ضربًا من الخيال أَو المستحيل، كيف يمكن فيه، هذا الوطن، أَن يـمُرَّ العيد كما اعتاد أَن يـمرَّ كلَّ عام؟

         حين يكون آلاف الـمواطنين في الشوارع ينادون بـخلْع سُلطة كانت تحكمهم فباتت تتحكَّم بهم لا من بيئتهم بل من كوكب آخر ترى منه إِلى مواطنيها بالمنظار لا بقلق إِيجاد الحلول لـمشاكل ثوار غيروا وجه لبنان الحديث،  كيف يمكن فيه أن يـمُرَّ العيد كما اعتاد أَن يـمرَّ كلَّ عام؟

         حين يرى الـمواطنون أَن دول العالم مهتمةٌ ببلدهم، عن حسْن نية أَو عن تربُّص، قبل أَن ينهار الجدار الأَخير، فيما سياسيَّو البلد الـمعنيون يضعون العربة أَمام الحصان، ويتفاوضون على حصَّتهم في الحكومة قبل أَن تولد الحكومة، كي يوافقوا أَو يرفضوا، كي يشتركوا أَو يقاطعوا، حين قباطنة التايتانيك يتخاصمون على مغانمهم تاركين مقود السفينة وهي تقترب يومًا فيومًا من جبل الجليد الذي سيقصم السفينة كارثيًّا والركابُ بين الهلع والغضب، كيف يمكن فيه أَن يـمُرَّ العيد كما اعتاد أَن يـمرَّ كلَّ عام؟

         كلَّ عامٍ كانت الساحاتُ مضاءةً، والـمدنُ جميلةً، والزينةُ تملأُ القلوب بهجةً والعيون فرحًا، والبلداتُ في حَراكٍ سعيد، والبلدياتُ تتنافس على أَيِّ زينة أَحلى وأَغنى وأَطرف، كل عامٍ.

في مثل هذه الأَيام كانت التحضيرات شاغلةً كلَّ الناس كي تفرح عيون الأَطفال. سوى أَن العيد هذا العام سيمرُّ ويخجل من عيون دامعةٍ بصمت، باكيةٍ بقهر، محمرَّةٍ بغضب، ولن يكونَ بسيطًا جوابٌ لأَبٍ يسأَله طفله عن هدية العيد، لأَن الطفل لم يَـــرَ في البيت شجرة مضاءَة، ولا مغارة صغيرة في زاوية الدار.

وسوف يطلع صباح العيد ولن يكون عيد.

وسوف يخترع الأَب حكايةً ورديةً يفاجئُ بها طفلَه كي ينسى الصغير أَن يسأَل عن هدية العيد.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib