هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1436
نقطة ضوءٍ في مخاض بيروت
إذاعة “صوت لبنان” – الأَحـد 3 تشرين الثاني 2019

          قبل ثلاثة أَيام هذا الأَسبوع (الخميس) في “يوم الـمُدن العالـمي” الذي تحدِّده منظمة الأُونسكو سنويًّا في 31 تشرين الأَول، أَعلنَت الأُونسكو لائِحة جديدة من الـمُدُن التي تعتبرها “مُدُنًا خَلَّاقة إِبداعية”، فإِذا بها تضمُّ 66 مدينة تَـميَّزَت بالطهي والـحِــرَف والتصميم والإِعلان والـموسيقى والأَفلام وما سوى ذلك من توصيفاتٍ جعلَت اللائِحة تَبلغ (منذ تأْسيسها سنة 2016) حتى اليوم 246 مدينة في العالم.

         وبين تلك الـمُدن الست والستين، 11 مدينةً في فئة الأَدب، بينها بيروت. من تلك الإِحدى عشرة: أَنغوليم (جنوبي غربي فرنسا)، إِكْزِتِر (شمالي إِرْلندا)، لاهور (عاصمة مقاطعة البَنجاب في ﭘـاكستان)، نانْـجِين (عاصمة مقاطعة جيانكْسُو في الصين)، السُلَيمانية (شمال شرقي العراق في إِقليم كردستان)، وَنْدْجو (عاصمة مقاطعة غُونْغْوُن – كوريا الجنوبية)، ﭬْـرُوكْسْواف (غربي ﭘـولندا)، وسواها.

         لا بُدَّ أَنّ لهذه الـمُدُن إِبداعًا أَدبيًّا جعل الأُونسكو تـختارُها، ولا بُــدَّ أَنَّ فيها أُدباء متميِّزين وروائعَ أَدبيةً لافتة. لكنني لا أَعرف الـمَعايير والـمُعطيات التي استندَت إِليها بلديةُ بيروت التي هيَّأَت الـمَلف وتَوَلَّت إِرسالَه إِلى الأُونسكو. ولا أَعرف إِذا كانت اللجنةُ الوطنية اللبنانية للأُونسكو مُسْهِمةً في الـمَلف. ولا أَعرف إِذا كانت وزارةُ الثقافة اللبنانية على علْمٍ بهذا الـمَلف الذي جعَل بيروت رقمًا عاديًّا بين 66 رقمًا في اللائحة الصادرة.

         لا أُريد أَن أَكون متشائِمًا أَو سلبيًّا أَو مُبْديًا موقفًا مُشكِّكًا من هذه التسمية التي لا بُدَّ أَن تَـمُرَّ بها بيروت نقطةَ ضوءٍ بين تلك الـمُدُن، وسْطَ ما تَشهده بيروت من مَـخاضٍ يُنْبِـئُ عن ولادةِ بيروت جديدةٍ طالعةٍ من حناجر الثوار.

         على أَن هذه التسمية، الرقميةَ العادية بدون تفاصيل، بعيدةٌ جدًّا عما ذاقَتْه بيروت وحدها “عاصمةَ الثقافة العربية” سنة 1999، ثم بيروت وحدها “عاصمة عالَـمية للكتاب” سنة 2009، وفي تينك التسميَتَين مَـجدٌ لبيروت ودورِها الإِبداعي حقًّا، والخلَّاق فعلًا، والـمُتَميِّز ثقافةً ونشرًا ونتاجًا أَدبيًّا وِسْعَ أَشعة الأَدب الـممتدَّة في جميع القطاعات الأَدبية والإِنتاجية.

         وكي لا أَكون مرتَـجِلًا موقِفًا مُتَسرِّعًا، قرأْتُ في موقع الأُونسكو الإِلكتروني عن “مفهوم هذا اليوم العالـميّ” فإِذا هو “تكريمُ الـمُدن الخلَّاقة التي تقَدِّمُ إِلى شعبها جودةَ حياةٍ فُضلى لأَجيالها الـمُقْبلة، وتُكْمل تَـجَدُّدَها الـمُتواصل من أَجل تغيير العالم إِلى حالةٍ أَفضل”.

         فهل هذه هي الـمعايــيرُ التي جعلَت بيروت تندرجُ رقمًا باردًا بين 66 مدينةً لا أَعرف إِن كانت الِإحدى عْشرةَ مدينةً عن فئة الأَدب، ذاتَ إِبداع أَدبي “يقدِّمُ إِلى شعبها جودةَ حياةٍ فُضلى لأَجيالها الـمُقْبلة”.

         وعلى الرغم من وُرُود اسم بيروت رقمًا باردًا بين 66رقمًا باردًا (بدون أَي إِلْـماحٍ إِلى سُطُوعها الأَدبي الذي كان يستحقُّ تنويهًا ولو وَميضًا) أَعود فأُنَوِّه بأَنَّ هذه التسميةَ الجديدةَ “نقطةُ ضوءٍ وسْط ما تَشهده بيروت اليوم من مَـخاض”، وخصوصًا لفتة الأُونسكو إِلى بيروت التي – مهما تَـجهَّمَت فوقها الغيومُ السود – تبقى نَـجمتُها مُشِعَّةً بالإِبداع، وتبقى مطمَحَ العرب جميعًا أُدبائِهم وفنانيهم وموسيقيِّــيهم ومسرحيِّــيهم وروائيِّــيهم يَؤُمُّون بيروت كي يَنْشُروا فيها ويَعرضُوا فيها ويُقَدِّموا إِنتاجهم فيها، بيروتَ الكتاب وعاصمةَ الثقافة والضوءَ الـمُنهمِلَ دائمًا ساطعًا بَـهيًّا رائعًا من نَـجمة بيروت.

         هكذا، في كل لائحةٍ عالَميةٍ، تستحقُّ أَن تَرِدَ نَـجمتُــنا الغالية بيروت.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib