هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1389
ما دامت التكنُولُوجيا في دياركم عامرة… 
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحـد  9 كـانـون الأَوَّل  2018

إِنه زمن الأَعياد. وللأَعياد طقوسُها وعاداتُها ومناخُها وتقاليدُها، وخصوصًا هداياها التي يُـحسَب لها الوقت والمال والـمُواءمةُ مع الـمُهدى إِليه أَو إِليها أَو إِليهم.

 في العادة أَن تُـهدى أَطايبُ ومَـأْكولات، إِذا ارتفعت قيمتُها تبلغ الكتب. واليوم بات التفكير في هدايا إِلكترونياتٍ لـم يعُد لها ردٌّ عن مستهلكيها، بعدما تكنولوجياها اجتاحت الأَسواق والاستعمالات والعقول.

أَحدث ما بلغَـنا حول هذه الإِلكترونيات: خبرٌ من ستوكهولم عن شرائحَ أَو رقاقاتٍ للهاتف الـخَلَوي يتِمُّ زرعُها تحت الجلْد في مكانٍ بارزٍ من الجسم، يُمكن استعمالُها لفتح الأَبواب المشفَّرة أَو تخزينُها ذاكرةً لاستعمالاتٍ مكتبية أَو منزلية، أَو تحفيظُ ذاكرتها أَرقامًا لتعريف بطاقة الائْتِمان أَو الجهاز الخلوي. وهي مخفيَّةٌ لا تَظهر ولا يُؤْلم وضعُها تحت الجلْد أَكثرَ من وخْزِ إِبرةٍ عادية.

فورَ إِطلاقِها في السويد تبنَّاه 3500 مواطنٍ تضاعفَ عددُهم عند انتشار الخبر وذُيُوع فوائِدِ هذه الرُقاقاتِ العجيبةِ تَدخل في جسم الإِنسان فلا خطر من نسيانِها أَو إِضاعتها أَو انتهاءِ شُحنتِها الكهربائية.

ولا يزال هذا الأَمر غيرَ معمَّم ولا مستخدَمٍ بعدُ في العالم، لسببَين: جسديّ ونفسيّ. الجسديّ أَنَّ وجودَ جسمٍ غريبٍ في الجسم البشريّ يظل هاجسًا يرافِقُ حاملَه، واعيًا أَو غيرَ واعٍ، والنفسيّ أَنه يـحوِّل الإِنسان “روبوتِــيًّا”. فالمأْلوف أَن الروبوت يُبَرمِـجُهُ الإِنسانُ إِلكتْرونيًّا حتى يقومَ بِـمهامَّ يوفِّرها عن الإِنسان، بينما زرْعُ هذه الشريحة في جسمِه يجعل الإِنسانَ ذاتَه هو الروبوت الذي ينفِّذ ما بَرْمَـجَهُ في جسْمه هو لا ما في ذاكرة الروبوت.

وإذا كان الإِنسانُ البشريُّ اخترعَ الإِنسانَ الآلـيَّ توفيرًا وقتَه، فها الإِنسانُ البشريُّ بات إِنسانًا آليًّا غيرَ منفصلٍ عن  البشريّ فيه.

في العادةِ الرومنسية، حين يتوهَّج الحب ويَشعر الحبيبُ أَن لا انفصالَ له عن حبيبته تفكيرًا وشُعورًا وسَرَيَانًا في قلبه ومشاعره، أَن يقول لها: “حبُّكِ يسري في عروقي“. واليوم، بات على العاشق أَن يُغيِّر في قاموسه فيقولَ لِـحبيبتِه: “أُحسُّ شريحتَكِ تَسري في عروقي يا حبيبتي“، أَو أَن يقولَ لها: “لا حاجةَ بعد اليوم أَن أُرَقِّم رقمَكِ السرِّيَّ على الإِنترفون كي تفتحي لي البابَ عن بُعد، لأَنَّ رقم إِنترفونِكِ بات في عروقي، يكفي أَن أَقترب بجسمي من الباب الكبير عند مدخل بنايتكِ تحت، حتى يتجاوبَ مع الرُقاقة تحت جلدي فينفتحَ لي البابُ وأَهرعَ إِليك فوق، بكل شوقيَ الإِلكتروني إِلى معانقَتِكِ وهذه الشريحةُ تعانِقُكِ معي ولو بدون شَوق“.

نعم… إِلى هذا الـهُناكَ يركُضُ بنا العصْر، بغَرائِبَ وعجائبَ لم يتخيَّلْها عقلٌ بشَريٌّ بعْد، ولا أَدَّاها بَعدُ عقلٌ آلـيّ.

وما دامت التكنولوجيا في دياركم عامرة، فكلُّ عيدٍ والشرائحُ تحت جلْدكم بِــخَير، والمعايداتُ الإِلكترونية عامرةٌ في عروقِكم بِــنَــبْــضٍ روبــوتِـــيّ.    

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib