هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” –  الحلقة  1036 
الــوزيـــر “الـتـفـضـيـلـي”
–  “النهار”  –  السبت 12 أَيَّــار  2018

         أَمّا وزبدُ الانتخابات النيابية انـحسَـر، بوُحُوله وفُصُوله وفُلُوله، وبات الوطن يتهيَّأ لـزَبَد تشكيل الحكومة فُصُولًا ووُحُولًا وفُلُولًا، فالمعادلة انتقلت من الانجرار وراء الزعماء للمقاعد النيابية، إِلى انجراف هؤُلاء الزعماء وراءَ الحقائب الوزارية، وتصنيفها “سيادية” و”خدماتية” و”وازنة”، وتعنُّتات الرفض ونَـتعات العناد وما يستتبع ذلك من فراغ وخواء في شرايين البلاد.

         وكما معظم النواب، جدُدُهم والعائدون، وصلوا بجميع أَنواع المواصفات إِلَّا الأَهلية للتشريع، هكذا سيتناهشون الحقائب بجميع أَنواع المواصفات الاتّباعية والطائفية والحزبية إِلَّا أَهلية الخبرة في شُؤُون الحقيبة العتيدة.

         “المواصفات”، قلت؟ أَتناول أَمثلة عنها لدى دولٍ معيارُها إِنـماء الدولة لا إِرضاء الزبائنيات: وزيرة الثقافة في فرنسا فرنسواز نيسِن، معيارها أَنها مديرةُ إِحدى أَبرز دُور النشر في بلادها بصَرف النظر عن جنسيتها البلجيكية الأَصلية، وزير الداخلية الجديد في بريطانيا ساجد جاويد، معيارُه أَنه نجح في حقيبته السابقة (الإِسكان والجوالي)، بصَرف النظر عن أَصله الـمُسْلم الباكستاني وكونه ابن سائق حافلة بسيط في إِحدى ضواحي إِسلام آباد، وزيرة الإِصلاح والشأْن العام في النروج ريغمور آسرود معيارُها أَنها منصرفة إِلى خدمة المواطنين، تسير في الشارع بدون مرافِقين ولا أَزلام ولا سيارة داكنة الزجاج، وتتناول الغداء على طاولة واحدة مع موظَّفي الوزارة، وتكوي ثيابها في غرفة جانبية صغيرة تُحاذي مكتبها غير الفخم ولا تتجاوز مساحته 80 مترًا مربَّعًا.

         الأَمثلة كثيرة جدًّا في دُوَل العالم الحضاري، ومعبِّرة جدًا، وبعيدةٌ جدًّا عن تَـخَلُّف دولٍ تشهد تشكيلَ الحكومات على معايــير مناطقية وطائفية وإِرضائية وتَوافُقية ومُـحاصصاتية (وفق الأَحجام والكُتَل)، فتتوزّع الحقائب بدون اعتبارٍ للدور البرلـمانـيّ الرقابـيّ والتشريعيّ، أَو لأَهلية الوزير الـمهنية أَو الاختصاصية أَو الخبرتية في هذه الحقيبة أَو تلك، وبدون اعتبارٍ لـمناصب إِدارية أَو احترافية سابقة تُـخوّله إِدارة وزارته وتطويرَها إِلى الأَفضل في أَداء الوزارة ومنه في إِنْـماء البلاد.

         ومثلما يتوزّع الناخبون وفْق مَـحسوبياتهم واستزلاماتهم وزبائنياتهم وأَغنامياتهم، هكذا يتوزّع الـمستوزرون وفْق انتماءاتهم الاستزلامية أَو الـمحسوباتية أَو الاسترضائية، باسْم “التوافق الوطني” و”التعايش الوزاري” و”الوفاق الحكومي”. وبعد تشكيل الحكومة تتحوّل الـمقاعد الوزارية متاريسَ داخلية لصراع الديوك، وتتجمّد قضايا البلاد وشُؤُون الناس بين حَــرَد وزيرٍ واعتكاف ثانٍ وطاوُوسية ثالث وعناد رابع، وتتأَجّل الـجلسات في انتظار الفرج من انفراج أَصحاب الـمعالي الذين لا يرضى واحدهم إِلَّا بالتَطاوُس بين مرافقين وحرّاس و”أَمن دولة” ومُـخصصات وموكب سيارات داكنة الزجاج خوفًا على سلامتهم كَأَنها من سلامة الأَمن الدولي.

         والبلدُ الذي يتبجّح أَنه “سويسرا الشرق” عليه أَن يتشبَّه فعلًا بــ”سويسرا الغرب” فيبدأ على الأَقل بإِعطاء الحقيبة الحكومية لــ”وزير تفضيلي” يكون فضلُه في معيارِ خبرته الـمعرفية بِـميدان وزارته، لا استزلامه حَــبَّــةً طــيّــعَـةً في مسبحة زعيمِه السياسي.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib