هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 1030
“يـا  بَـني  أُمِّي”
“النهار” – السبت 10 آذار 2017

 حين يُهَجِّرُ النظامُ أَبناءَه إِلى أَوطان الآخرين

دخلتُم هذه القاعة مهاجِرين من بلدانكم المختلفة، فَلْتَخرجوا منها مواطنين مثلي لا أَتميَّز عنكم بشيء. أُدخلوا هذه البلاد آمنين، ظَـلُّوا على الدين الذي به تؤْمنون، اعمَلوا في أَيِّ مكان تُـحبُّون، اعتَمِدوا قولة الحق والعمل به في استقامة، وعَـلِّموه أَولادَكُم وليَكْبَروا على عدم التمييز العُنصري. فَـلْـيُـصافح بعضُكُم بعضًا لأَنكم منذ الآن أَصبحتُم إِخوةً في المواطنيَّة بفضْل القانون الكَنَدي“.

بهذه العبارات خاطبَت القاضية 80 منتميًا جديدًا في ختام جلسة القَسَم على اعتناق الجنسية الكندية. لـم تُـميِّز فيهم بين بلادٍ وأُخْرى، بين دِينٍ وآخَر، بين عِرْق وعِرْق، بين انتماءٍ وانتماء. الجنسيةُ الكَـنَدية جمعَت بينهم ووحَّدتْهم مواطنين متساوي الحقوق والواجبات.

من أَين جاؤُوا؟ جاؤُوا من بلدانٍ هجَّرَتْهم أَنظمتُها بالقمع والخوف والقتل والدمار، فهرَبوا من العنف والموت، حَمَلوا أَولادهم وهرَبوا، تركوا بيوتًا وأَهلًا وذكرياتٍ وهرَبوا، في البر هرَبوا وفي البحر، تحمَّلوا مشقَّاتِ التنقُّل وأَهوالَ الأَمواج وأَخطار الغَـرَق وهرَبوا، من دون أَوراق ثُبوتية هرَبوا، ترَكوا سنواتهم في أَوطانهم وهربوا إِلى الحُلم بإِقامةٍ آمنة في بلادٍ آمنة ذات مستقبلٍ آمن فلا يَقتُلهم فيها حاكِمُها، ولا يطاردُهم فيها نظامُها، ولا يدمِّر بيوتَهم جيشُها، ولا يَــقْمعهم فيها غازٍ أَو محتلٌّ أَو مغتصِبٌ شريكٌ خارجيّ.

جاؤُوا من حاضر الموت في أَوطانهم إِلى مستقبل الحياة في وطنٍ غريب يحتضنُهم فلا يعودون غرباء بل يتساوون فيه مع أَبنائه الأَصيلين من عشرات السنين.

جاؤُوا إِلى زمنٍ آخَر ليس فيه عنجهيةُ حاكم وَحش، ولا قهرُ نظامٍ جزّار، ولا قلَقٌ على صغارهم، فاستظلُّوا نظامًا عادلًا، يُديره حاكم بمبادئِ حقوق الإِنسان، ويَنعمون فيه بالحرية الشخصية والكرامة الوطنية والشعور بالطمأْنينة طالما يحترمون الأَمن والنظام والقانون.

جاؤُوا إِلى بلادٍ أَقسموا فيها على الولاء لها والوفاء ليَمينهم في القَسَم، ليُصبحوا أَبناءَها الشرعيين فلا يعودوا مهاجِرين ولا مهجَّرين ولا مهجورين كما كانوا على أَرضهم الأُم لم تنفَعهم لديها صرخةُ “يا بني أُمّي” لأَن “وطن أُمهم” غَدَر بهم فغادروا، ولا أَنقذَتْهم بطاقة هوية كانوا يعتزُّون بها فهَجَروها إِلى هوية جديدة تعتزُّ بهم وتستقبلُهم وتحضُن أَولادَهم جيلًا بعد جيل، فالذُلّ في بلادهم غُربة، والكرامةُ وطنٌ في بلاد الآخرين.

إِنه قايين القاتل يتناسَل عصرًا بعد عصر، وإِنه هابيل القتيل يتناسل موتًا بعد موت.

ما أَصعب أَن يغادرَ شعبٌ أَرضَه الأُمّ قهرًا وقسرًا وهرَبًا من الذُل والموت، بعيدًا عن أَهلٍ وأَحبابٍ وذكرياتِ حياةٍ يتركها في أُمَّته، ويرحل لاجئًا إِلى أَرض بعيدة يقترب من أَهلها الغرباء، ويُصبح له فيهم أَهلٌ وأَحبابٌ وحاضرُ حياة، فيُشيح عن ماضيه على أَرضِه الأُمّ وأَهل أُمَّته، وينتمي إِلى أَرض جديدة يقول هانئًا لأَهلها الجُدُد: “يا بني أُمّي”.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib