هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1346
“بُوسْطات”… لـــ”التَقَاتُل الاجتماعـي”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 4 شباط 2018

بُوسْطة عين الرمّانة… طبعةً إِلِكتْرونية

إِسـمُها المتَدَاوَلُ المأْلوف: “وسائل التَـوَاصُل الاجتماعي“. فهل هي حقًّا وسائلُ “تَوَاصُل“؟ وهل هي فعلًا تخدم الـ”تَـوَاصُل“؟ وهل استخدامُها حقًّا يفيد للــ”تَــوَاصُل” الإِيـجابي؟

تعدَّدَت وسائِطُها وأَنواعُها ومتفرِّعاتها بين الرسائل النصِّيَّة (SMS)، والواتْسْآپ (WhatsApp)، والإِنستاغرام  (Instagram)، والتوِتِر (Twitter)، والــ”سناﭘـتشات” (Snapchat)، والـ”فايسبوك” (Facebook)، والــ”لِنْكْدإِن” (Linkedin)، والــ”ﭘِـنْـتْـرِسْتْ” (Pinterest)، والـ”يوتيوب” (Youtube)، وسواها الكثير مما يتداوله ملايين في العالَـم دخلوا وسائط العصر ويستخدمونها بــملايين الملايين من المرات كلَّ يوم، بل كلَّ ساعة، وربما كلَّ دقيقة.

غير أَن تلك الوسائلَ غالبًا ما تكون تواصُلًا للترفيه والمتعة والتسلية وهدْر الوقت على تبادُلِ رسائلَ وكلماتٍ وصُوَرٍ ونِكاتٍ وأَخبارٍ ورُسومٍ تَذبح وقت الناس على أُمورٍ غير نافعةٍ ولا مفيدة. وهذه، تبقى شخصيةً فرديةً وأَقلَّ ضررًا وخطَرًا من تلك التي تنتشر كالنار الهوجاء الصمَّاء العمياء في قَـشٍّ يابس تحمل شرارتُها أَخبارًا تحريضيةً أَو صوَرًا فضائحيةً أو أُمورًا سياسيةً أَو اجتماعيةً يتسبَّبُ نَشْرُها في تأْجيجِ حقدٍ أَو إِثارةِ غرائزَ سياسيةٍ أَو دينية أَو اندلاعِ مواقفَ مُـتَشَجَنِّةٍ مُقابلَ مواقفَ مُـتَشَجَنِّةٍ مُضادَّة، تهدِّدُ أَحيانًا بل غالبًا أَمن الوطن واستقرارَ أَمانِه وهُدُوءَ أَوضاعه الاقتصادية والمالية.

أَخطرُ ما في هذه الـ”وسائل التَواصل” أَنها تَنتَشر بلا رقيبٍ أَو وازعٍ أَو مُدَقِّق، حتى يُضطر أَصحابُ العلاقة المعنيُّون بها أَن يلجَأُوا إِلى الإِعلام الرصين ليُكذِّبوا ما وردَ فيها، أَو يُصحِّحوا ما نَشَرَت، أَو يُبرِّروا صورةً فيها قد تكون مُرَكَّبةً عمْدًا من طابور خامس يقصد الأَذيَّة، أَو حتى قد يرفعون دعاوى على ناشري الخبر أَو الصورة أَو السِـرّ أَو الفضيحة.

قلتُ “بلا وازعٍ أَو رقيب”، والأَصحُّ أَن أَقول “بلا ضميرٍ وطنيٍّ أَو اجتماعيٍّ أَو أَخلاقيّ”، لأَن تأْثيرَ نشْرها يكون أَحيانًا كارثِـــيًّا يهدِّد الأَمن والاستقرار في البلاد. ومتى بلغ الأَمر هذه الدرَجة من الخطورة، وهو يَــبْــلُغُها أَحيانًا – كما جرى عندنا طيلَةَ الأُسبوع الماضي- لا تعود تلك “وسائلَ التَواصُل الاجتماعي” إِنما تُمسي “وسائلَ التَناصُل الاجتماعي” بل “وسائلَ التَقاتُل الاجتماعي” بل “وسائلَ التَواقُح الاجتماعي“، بل “وسائلَ الإِسفاف اللااجتماعي“، فيكبَرُ خطرُها كأَيّ سلاحٍ تقليديٍّ، بكاتمِ صوتٍ أَو بِدُونه، يُؤَدّي إِلى قتْل مواطن، أَو اغتيالِ وضعٍ أَمني، أَو التسبُّبِ باضطراباتٍ شارعيةٍ أَو خلافاتٍ سياسية، أَو إِشعال فتنةٍ قد يتفجَّر لهيبُها حربًا أَهلية أَو ثورةً شعبيةً عمياء.

         ومتى بلغَ ضررُ هذه الــ”وسائل” حدودَ الإِساءَة الفردية والـمَسِّ بالكرامات الشخصية، لا يعودُ الأَمر مقتصرًا على من “يَــــتَــــوَيْـــــتَـــرُون” فيُطْلقُون “تْـوِيْــتْــرِيًّا” رسائِلهم أَو شتائِمَهم أَو تَعصُّباتهم السياسية أَو الدينية، بل يتعمَّم الضرَر حتى حدود الخطَر، ولا تعودُ تلك الـ”وسائل” مجردَ تسليةٍ مجانيةٍ أَو هدرٍ سخيفٍ للوقت على نكاتٍ وصُوَرٍ وبَذاءَات، بل تُمسي قنابلَ موقوتةً تهدِّد في كلّ ثانيةٍ بِشَرارةٍ قد يَندلعُ منها حريقٌ لا تُطفئُهُ ولا حتى مياهُ طُوْفان. 

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib