هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1345
غَرَقُ الــ”زُوَاڤ” (Zouave) اللبناني في النُفَايات
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 28 كانون الثاني 2018

الـمواطنون مشغولون بفيضان الأَنهار…  والسياسيون يشغلُونَـهُم بانتخابات أَيَّـار

عند العرب مَقولةُ: “بَلَغ السَيلُ الزُبَـى” إِذا فاض النهرُ وارتفعَت مياهُه أَعلى من الـمُعتاد.

وعند الفرنسيين مَقولةُ: “تبلَّلَتْ قَدَمَا الــزُوَاڤ على جسْر آلْـما” إِذا فاض نهر “السين” (Seine) وارتفعَت مياهُه أَعلى من المعتاد.

أَمّا “زُبـَى” العرب، فجمْعُ “زُبْيَة” وهي تلّةٌ رمليةٌ مرتفِعةٌ عن الأَرض فلا تغمُرها السيول مهما اشتدّ الطوفان وسالت الفيَضَانات.

وأَما الـ”زُوَاڤ” (Zouave) فكلمةٌ (مغربيةُ الأَصل) ترمز إِلى تمثالِ جنديٍّ على حافة جسْر آلْـمَا في ﭘــاريس، بين برج إِيفل (Eiffel) والإِنـﭭـاليد (Invalides)، يقاس عند قاعدتِه مستوى نهر “السين”، حتى إِذا بَلغَتْ مياهُه قَدَمَي الـ”زُوَاڤ”، تنبَّهَت الدوائر المعنية إِلى أَن “السين” يَفيض بـروافدَ من سَوَاقٍ جانبية وأَنُـهُرٍ صغيرة، وتعلو مياهُه عن الطبيعي المعتاد، كما حصل في فيضانٍ تاريخيٍّ شهدَتْه ﭘـاريس سنة 1910 يومَ بلغَت مياهُ “السين” كَتِفَي الـ”زُواڤ”، فكانت كارثةٌ طبيعيةٌ نادرةٌ في تاريخ فرنسا.

إِذًا بين الفيَضان عند العرب وبلوغه الزُبـى، والفيضان عند الفرنسيين وبلوغِه قَدَمَي الـ”زُوَاڤ”، ماذا عندنا نحنُ لنقيس به مستوى الأَنهار والسيُول والفيضانات، طالما لا زُبـى رملية عندنا على ضفاف الأَنهر، ولا “زُواڤ” عندنا نَقيس عند قَدَميه جرْف السيول.

ماذا عندَنا؟ عندَنا ما هو أَهَمُّ من الزُبـى الرملية ومن الـ”زُوَاڤ”: عندنا النفايات.

مَن عندَهُ مثلما عندَنا: النفاياتُ والزبائلُ لقياس فيضان النهر وتَلَوُّث الشاطئ؟

مَن عندَهُ مثلما عندَنا: نُوّاب وَوُزراء يقفون متأَمِّلينَ الفيضانات الزبائلية، وعوض أَن يَهرعوا إِلى المعالجة الاستباقية، يَنتظرون وُقُوع الكارثة البيئية حتى يتسابقوا إِلى التَشاتُـم أَمام الكاميرات والتَلاوُم على الشاشات وتبادُل الاتهامات والتقصير في المسُؤوليات والحديث عن المكبَّات وتضليل الناس عن حقيقة الـمَجريات؟

مَن عندَهُ مثلما عندَنا: شاطئٌ تَسبح فيه النفاياتُ مهرولةً من كل صوبٍ لأَنّ المسؤولين يَـــرتَـــبِـكُـون أَمام الكارثة عِوَضَ استباقها بِـحلُولٍ ومعالجات؟

مَن عندَهُ مثلما عندَنا: ازديادُ حالات السرطان من عامٍ إِلى عام، وليس مَن يسعى إِلى استدراك مَوتٍ جَـماعيٍّ يَــبدأُ من دواخين زوق مكايل ويُكمِل شمالًا صوب شكا ويَـــتَــنَــزَّهُ بين شموخ الكسارات؟

 مَن عندَهُ مثلما عندَنا: تَعَاقُبُ حكوماتٍ كلُّ واحدةٍ منها تَنتقد السابقةَ وتَعِدُ “الشعب الحبيب” بالكهرباء 25 على 24، و”الشعب الحبيب” صابر ناطر يَشغَلونه بــ”انتخابات أَيار” فينشغلُ بكل سذاجةٍ، ويَـنسى الكارثةَ البيئية، ويهتمُّ بِــ”مَن يترشَّح مع مَن”، و”مَن يترأَّس لائحةَ مَن”، و”مَن يستحقُّ الصوت التفضيلي”، فيما الفيضاناتُ تُهدّد بزبائلها مجرى الأَنهار ورمالَ الشواطئ وصحةَ مواطنين ليسوا في حساب السياسيين سوى أَعدادٍ وأَصواتٍ يداهنونهم من أَجل “انتخابات أَيار”.

وما دامت الدولة لا تَــتَــنَــبَّـهُ للزُبـى ولا تَــنْــتَــبِــه لـلــ”زُواڤ”، فسَـيـبـقى شعبُنا الصابر غارقًا بين الـمَطامر والـمَكبّات والسرطانات، و…”كل أَيار 2018″ وشعبُنا خانع خاضع مشغول بالانتخابات، وسياسيُّونا مشغولون بكل شيء إِلَّا بالسيل بلغَ الزُبـى، وبِــغَــرَق الــ”زُوَاڤ” اللبناني بين أَكوام النُفايات.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib