هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1344
“عـلى قِـيـاسي ويُـشْـبِـهُـني”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 21 كانون الثاني 2018

حين يصبحُ المشطُ أَداةً سياسية… وتوريثُ النيابةِ مشطَ الديمقراطية

 من أَغرب ما يمكن الحاكم أَن يفرض على شعبه، وفْقَ ما سمعتُه من خبرٍ نقلتْه إِذاعة الـ”بي.بي.سي” عن جريدة “كوريا تايمز” في كوريا الشمالية، أَن حضرة الزعيم “كيم يونغ أُنْ” أَصدر أَمرًا فرَض بموجبه على جميع الكوريين قَصَّة شعرٍ واحدةً موحَّدةً وحيدةً تُشبه قَصَّة شعره هو، يعني أَن يحلق الرجل كلِّيًّا شَعر صَدغَيه ويتركَه على بعض الطول ناشبًا إِلى فوق عند أَعلى الرأْس. ومع أَنّ هذه القَصَّة لا تناسب جميع الوجوه ولا جميع أَشكال الرأْس، إِلَّا أَن الأَمر تعمَّم حازمًا على جميع حلّاقي البلاد، بأَن المسموح لهم قصُّ الشَعر وفْق عشْرة نماذج وضعَها الحاكم تُشبِه قَصَّة شَعره، لأَن الشَعر الطويل، قال، يتعارض مع نمَط الحياة الاشتراكية في البلاد. ويمتدُّ هذا الأَمر إِلى النساء أَيضًا إِذ فرَضَ الحاكم عليهِنَّ أَن يَـخترْنَ بين 18 قصة شَعر، جميعُها ذاتُ نموذجٍ واحدٍ حدَّده الحاكم بقَرارٍ خاص.

هكذا فقط؟ لا. كلّا. فَلِحَضرة الحاكم ذوقٌ رفيعٌ كذلك في الأَحذية والملابس، فرَضَهُ على الناس أَجمعين، مع العقوبات الملائمة كلَّ مخالفةٍ في قَصّة الشَعر أَو في الحذاء أَو الـمَلْبس.

وهكذا، فيما الصراع متأَجِّجٌ ويزداد خطورةً على التجارب النوَوية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، بين القادة في بيونغ يانغ وواشنطن، لا ينسى الحاكم قَصَّة الشَعر والملابس والحذاء، حتى يَمشي الناس في الشوارع مُتشابهي الشَعر والأَحذية والملابس، كي يغتبطَ حضرة الحاكم ويردّد: “شَعبي كلُّهُ على قياسي ويُشْبهُني”. وهذه أَقسى وأَقصى درجات التوتاليتاريا والدكتاتوريّة والاستبداد وحُكْم الطُغاة.

فَأَلَّا تَبقى للمواطنين حريتُهم الشخصية في ما يَرتدون أَو ينتعلون أَو يقصُّون شَعرهم، يعني أَنهم في سجْنٍ كبيرٍ بلا نوافذَ ولا أَبواب، ويخضعون لمشيئة الحاكم كائناتٍ رُوبُوتية، مقْمُوعي الصوت والرأْي والحرية، مَرعُوبين من التنَصُّت والتجسُّس حتى وهُم في فراشهم نائمون، وهذا أَرعبُ ما يُعانيه شعبٌ يشعر أَنه منفِيٌّ في بلاده، سجينٌ مغلَّلٌ بلا أَصفاد.

وإِذا كنا نحن حقًّا في بلدٍ غيرِ توتاليتاريّ ولا دِكتاتوريّ ولا استبداديّ، بل “ديمقراطيٌّ جدًّا”، كما ينادي معظمُ السياسيين عندنا، فكيف إِذًا يفرِض النظام علينا نوّابًا يتكرَّرون في كل دورة، وقوانينَ يتناحرون على إِصدارها ثم يتناحرون على تعديلها، واستشاراتٍ قانونيةً على القياس المطلوب، ووزراءَ ومسؤُولين خاضعين لزُعمائهم يديرونهم بالريموت كونترول، وزجْرًا مقنَّعًا بِاسْم العدالة وهو ليس من العدالة في شيْء، واستبدادًا سياسيًا بقفّازات مخملية، ونظامًا يتناهشُه الإِقطاعُ السياسيُّ من جهةٍ والإِقطاعُ الدينيُّ المذهبيُّ الطائِفيُّ من جهة أُخرى، والمواطنُون دائخُون بين الإِقطاعَين، ويردِّدون على باب زعيمهم أَنهم يَـفْدُونه: “بالرُوح، بالدَم” ويُغَنُّون في سهراتهم السعيدة: “تحت السَما ما فيه متْل لبنان”.

وإِذا كان المشْط أَداةً سياسيةً تقمَع قَصَّ الشعر في كوريا الشمالية، فعندنا “ديمقراطية” على القياس المطلوب تَقمع الكلمة والتعبير فيما هي تتغنّى بنظامٍ شعارُهُ “على قياسي ويُشْبهني”، ويوصِل إِلى الحُكْم أَبًا عن جَدّ نُوَّابًا ووزراء يتوارَثُون الحُكْم ويُـوَرِّثُونَه إِلى أَبنائهم وأَصهارهم، وكـل ذلك بتسريحةِ شعرٍ ملطَّفَةٍ يُـجَمِّلُها… مشْطُ الديمقراطية.       

هـنـري  زغـيـب 

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib