هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحـلـقة 1016
بــــين الـهالـة والـحـالــة
“النهـار” – الـســبــت 25 تـشـريـن الـثـاني 2017

فَـلْـيَـتَّــقِ الأُدَبَاءُ يَوميَّاتِـهم ورسَائِلَهُم وكُـلَّ ما قد يُـكْـتَـشَـفُ بَعدَهُم

         في مطلع صبايَ عند فجر حياتي الأَدبية، كنتُ مأْخوذًا بأَسماء الكـبار في الأَدب، شعرِهِم والنَـثْـر، أُتابع قراءاتٍ وأَخبارًا للراحلين، وأَسعى إِلى الأَحياءِ تَقَرُّبًا أَو إِصغاءً إِلى محاضرةٍ لـهُم أَو حديث، مأْخوذًا فترتئذٍ بِـهالتهم مَهيبةً في أُفقي الطالع على حياةٍ أُهيِّـئُ لها بشَغفي أَن أَشُقَّ دربـي في الحقل الذهبي الذي هو الأَدب. من ذاك الشغَف، وإِلى قراءَاتي نتاجَهم الأَدبي، كنتُ أَرصُدُ سيرتهم الذاتية، تأَثُّرًا بهم، تَشَبُّهًا بهم، تَــوَّاقًا أَن توازي حياتَـهم حياتي الأَدبية، وربما حياتي الشخصية في بعض ملامحها.

         هكذا، في بالي وذهني وتَصَوُّري، كانت أَسماؤُهم أَكبرَ حجمًا من نتاجهم، حتى كان مُكَرَّسًا في مسَلَّماتـي كلُّ ما أَقرأُ لهم أَو أَسمع عنهم بلهفة الـمعرفة والتَلَقّي.

         لكنني، مع السنوات واختمار قراءَتي النصَّ عاريًا من هالة صاحبه كما كانت في انطباعاتي الـمُبْكرة، رحتُ أَعزل من ذاكرتي هالة الشخص وأَغزل قناعتي في حالة النص وقيمته. وبين العــزْل والغــزْل، تبدَّت لي تباعًا قناعةُ إِسقاط الاسم عن الشخص ومواجهتي نصَّـه بِـدُون قناعه. فقيمة بعض النصوص تتّخذ وهجها عادةً من اسم مَن وقَّعها، أَكثر من مضمونها الذي إِذا أَغفلْنا اسم صاحبها سقط النص في العاديّ من الكلام. نتذكر هنا عبارة عاديةً بالأَلمانية من 13 كلمة سنة 1922 بيعت بالمزاد قبل أَسابيع بمليون ونصف مليون دولار لأَنها بخط وتوقيع صاحبها… أَلبرت آينشتاين.

         من هذه الـمقاربة بنسْج مسافةٍ بين الهالة والحالة، أَخذتُ أُقاربُ النصوص وأَتنبّه إِلى حياتي الشخصية في حقل الأَدب، بأَلَّا يكون اسمي بل نَصي مقياسًا لقيمته، كي لا يُشكِّل الاسم بعدي مسافةً ذهنيةً تُــقَــنِّـع النص فإِذا سقط الاسم لاحقًا لا يسقط النص معه، كما يحدُثُ غالبًا لنصوصٍ أَو لوحاتٍ أَو مخطوطاتٍ موسيقيةٍ أَو نتاجاتٍ في حقول عدة، تَسقط حين نحجب عنها اسم صاحبها وهالة شهرته لأَنها في ذاتها ليست ذات قيمة.

         فهل نُصوصُ الـمَطالع تفضح ضعف ما بعدها لاحقًا في مرحلة النضج الأَدبي؟

         أَم هي الـمُراسَلاتُ يسترسلُ الكاتبُ فيها غير متنبّه إِلى إِمكان اكتشافها بعده؟

         أَم هي اليومياتُ الحميمة تُعَرّي الأَديب من قناعه إِذ يدفقها على الورق بكل عفويته، وكاتب اليوميات عادةً لا يعترف بكامل حقيقته بل يدوّن ما يُسبغ على شخصيتِه هالةً يريدها تَبقى بعده في أَذهان الناس؟

         الشاهد: لا يبقى من الكاتب سوى نَـصِّه مفصولًا عن سيرته التي تحتمل ممارساتٍ ونزواتٍ وتصرّفاتٍ قد تشوّه نقاوة نصّه وتؤثِّـر على عُبوره من جيل إِلى جيل.

         فَـلْـيَـتَّـقِ الأُدباءُ يومياتِـهم أَو رسائلَهم أَو أَسرارًا قد تُكتَشَف بَعدهم فتفضح وجهًا شخصيًّا لهم قد يكون منافيًا وجهَهم الأَدبي المفترض أَنه هو الأَنقى والأَبقى على الزمان.                                                                               

 هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib