هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” –  الحلقة  1011
للكلمةِ الـمجدُ والـخُلود
“النهار”  –  السبت  21  تشرين الأَوّل 2017

الـمُهِمّ: كيف يُـعَــبِّـــر  بـــها الكاتـب ليَقولَ ماذا

         “لا ننظر أَبدًا إِلى جنسية المؤَلّف بل إِلى كتابه، وما يُريد قولَه في هذا الكتاب”. بهذا المختصَر البليغ بَـرّرَت رئيسة لجنة التحكيم في “جائِـزة بوكر  Bookerللرواية” لُولَـى يونغ ذهابَ الجائزة هذا العام مرةً ثانيةً (بعد ﭘـول بِـيـتي Beatty العام الماضي) إِلى روائي أَميركي آخَر: جورج ساوْنْدِرْز (Saunders) على روايته “لينكولن في الباردو”. وفي نظام الجائزة أَن تذهب حصريًّا إِلى كاتب من دوَل “الكومنْوِلْث” الاثنتين والخمسين.

         هذه العبارة من يونغ، في مؤْتمرها الصحافي الثلثاء الماضي لإِعلان الجائزة، تُعلي مجد الكلمة، وتشير في وُضوح ساطع إِلى أَن الركيزة الأُولى في الأَدب تبقى الكلمة، أَيًّا يكُن مَنشأُ كاتبها وأَيًا تكُن لغته. فحين نالها الياباني الأَصل كازوو إِيشيغورو (Ishiguro) سنة 1989 على روايته “ما يَـبقى من النهار” كان لاهتمامه بتأْثير الكلمة وما يـبقى منها. لذا صرَّح الأُسبوع الماضي لدى نيله جائِزة نوبل للأَدب: “هَـمّي أَن تبقى كلمتي حيَّةً عند ترجمتها”.

         وهو هذا ما حَـمل الجائزة إِلى ساوْنْدِرْز هذا العام: فهو حـَمَّل الكلمة أُفقًا جديدًا فأَثْبَتَ أَنْ لا حدود لفضائها، بها جعل الرئيس الأَميركي أَبراهام لنكولْن يَدخل القبر بعد دفن ابنه ويـلِّـيس سنة 1862، ويخاطبه بـكلامٍ داخليٍّ جوَّانـيّ “اخترعه” ساوْنْدِرْز من غير مأْلوف الكلام الـمباح والـمتاح. ومع الرئيس خَـلَق الكاتب أَرواحًا أُخرى في القبر جعلَها تتكلّم في مرحلة الـ”باردو” (Bardo)، وهي الحالة الفاصلة بين لحظة الموت والعودة مُـجدَّدًا إِلى الحياة (تقليد بوذيٌّ في التـيـبِـت).

         هكذا، من حُزن الرئيس على ابنه في القبر، أَوجد ساوْنْدِرْز طريقةَ معالجةٍ جديدةً مبتكرةً تخطَّت الحزن إِلى الرؤْيا، والفردَ إِلى المجموعة، والحدث إِلى أَبعدَ من الحدث: أَهي النُدبة على الابن الفقيد؟ أَم هو الأَمل بعودته من الـ”الباردو” إِلى الحياة؟ وكلُّ ذلك في روايةٍ صعبةٍ صاغها الكاتب في براعةٍ فريدةٍ سَحابةَ 350 صفحةً مكـثَّـفةً في لغةٍ هي أَيضًا “باردو” بين الخيالي والواقعي، خرج منها بنسيج واحد خضَّ به لجنة الجائزة حتى أَجمع أَعضاؤُها على أَنّ “هذا الكتاب غريبٌ وقريبٌ في آن”.

         الكلمةُ دومًا هنا. لنا. أَمامنا. معنا. وأَكثر: فينا. يـبقى الأَهـمّ: مَن يَـمتشقها؟ ماذا يَكتب بـها؟ أَيَّ لغة يُلبِسها؟

الكلمة واحدة في جميع اللغات: صيغةً ومدلولًا. يـبقى كيف يُعبِّر بها الكاتبُ ليقول ماذا؟ كيف يوصل بها فكره وفكرته؟

هل الكلمة وسيلة؟ أَبدًا. إِنها غاية. إِنها الغاية الأُولى. هي الـ”أَلفا” وهي الـ”أُومِغا” وبينهما المضمون. هي السلاح الخطير وهي الباني القدير. مَن يمتلك مجد الكلمة يمتلك لغتَه.

الكلمةُ هي الجسد، واللغةُ هي الثوب. والـمُبدع، في أَيِّ لغةٍ كَـتَب، هو مَن يعرف كيف يُفَصِّلُ ثوبًا جميلًا يتأَلَّقُ فيه إِبداعيًّا جـمالُ الجسد.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib