هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” –  الحلقة  1007 
“… وهل للخَـنَـانـيـصِ من مَــغْــمَــزِ؟”
 –  “النهار”  –  السبت  23 أَيلول 2017

جاء في كتُب العرب أَنْ شرِبَ يزيد بن معاوية يومًا حتى ثَـمِـلَ كُــلِّــيًّا فقال للأَخطل وكان نديـمَه في السُكْر: “اْهجُني يا أَخطل ولا تَفْحُش”، فارتجل الأَخطل أَربعة أَبياتٍ هاجيةٍ جاء في ثالثِها:

“أَكـلْتَ الـدَجاجَ فَــأَفْنَيْتَها… فَهل في الـخَـنانيص من مَغْمَزِ؟”

و”الـخَنانيص” جمْع “خِــنَّــوْص” أَي وَلَد الخنزير. وجاء في كتاب “أَساس البلاغة” للزَمَـخْشَري: “ما في هذا مَغْمَزٌ: أَي ليس فيه أَيُّ مَطْمَع”.

هذا البيت، وهو يعني شراهةَ أَصحاب البُطون الذين لا يَشبعُون، فيأْكلون السَمين الجيّد ولا يوفِّـرون الغثَّ الرديء، تذكَّرتُه وأَنا أُتابع هذا التراشُق السياسي غيرَ “الرياضي” على ملعب الوطن وفي ساحاته جميعها، بين فريق يدافع وآخَر يهاجم، بين فريق يَــتّهم وآخَر يرُدّ التهمة بأَسوأَ منها، بين فريق يُصرّح وآخَر يُكَذّب التصريح، بين فريق يدّعي وآخَر يَنفي الادّعاء، بين فريق يُعلن على منبره أَمرًا على أَنه حصَل وآخَر على منبره يُعاكس تمامًا هذا الأَمر على أَنه لم يحصَل…، إِلى سائِر هذا الكرنـﭭـال البَشِع الذي يَـتَـمَـظْـهَـر يوميًّا أَمام المواطنين، والمواطنون قسمان: أَول ساذج مستزلم يصفّق أَغناميًّا لزعمائه وينتصر لهم أَيًا يكن موقفُهم، والآخرُ ذاهلٌ مصدومٌ على غضب ورفْض وقَرَف من كل هذا الهذر السياسي الذي يتمُّ به التداول، فيما الوطن مكشوفٌ لِـمراقَبة الدُول والدولةُ متوقّفة متجمّدة، عالقةٌ أَسيرةً بين سياسيين “تتجلّى” آراؤُهم يوميًّا فَـتَـتَـضارب هنا وتتعارض هناك وفق مصالحهم، وكلُّها “بِاسم الشعب” و”خدمة الشعبِ” والشعبُ من كل ذلك خالي المنفعة خاوي النتيجة.

بواخر كهرباء أَو لا بواخر… بطاقة ممغنطة أَو لا بطاقة بيومترية… استدراج عروض أَو تلزيمٌ بدون عروض… دفاتر شروط لـمناقصة أَو اتفاقات بالتراضي… سلسلة رُتَب ورواتب مع ضرائب أَو السلسلة بدون الضرائب… الرواتب آخر هذا الشهر وفق القانون الجديد والمدارس تعترض… انتخابات مقبلة أَو صفقة خفيّة لإِلغائها والذهاب إِلى تمديد رابع… إِطار مالـيّ قانونيّ لكل مشروع أَو بدون إِطار مالي… الفساد ينخر الدولة والمواطنُ يدفع ضرائبه لا يسأَل ولا يعرف لِـمَن ولا لـماذا … قديسون وشياطين تحت سقف واحد، فمَن هو المرتكِب ومَن هو الـمرتَكَب به؟ مَن هو الفاعل ومَن هو المفعول به؟ مَن هو الراشي ومَن هو الـمُرتشي وكلاهُما يطالُه القانون فأَين القانون يُـحاسب؟ مَن يُـحاكم مَن؟ سياسيون ضالعون في الفساد، والشعب يراقبهم شُركاءَ في الارتكاب. جاؤُوا إِلى الحكُم “بِاسم الشعب” ليكونوا في خدمته فجعَلوا الشعب مطايا لكراسيهم.

أَكلوا الدجاجات فأَفْنَوها، وعينُهم على الـخَنانيص. لم يشبعوا. ولن يشبعوا. ليس لشراهتهم حـدٌّ ولا لضميرهم مؤَنِّب.

أَلَا ويلٌ لدولةٍ يأْكلُ أَولياؤُها دَسَم الدجاج، ولا يتركون لشعبها حتى… فُـتاتَ الـخَنانيص.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib