هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1270
حمايةُ القاصرين من أَهلهم
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحد 20 آب 2016

 

عن جريدة “لا ريبوبـليكا” الإِيطالية، مطلعَ هذا الأُسبوع، أَنّ عضو الـﭙـرلمان الإِيطالي نائبةَ رئيس حزب “القوة الجديدة” السيدة إِلـﭭـيرا ساﭬـينو “تقدّمَت من مجلس النواب بـمشروع قانونٍ يَقضي بسنتَين سَجْنًا كُلّ وَالِـدَين يُرغمان أَولادهما على تناوُل وجَـباتٍ غذائية ذاتِ نظامٍ نباتي، مانعين عنهم اللحومَ والبَـيـضَ ومنتَجاتٍ حيوانيةً وأَطعمةً فاقدةً عناصرَ أَساسيةً لتغذية الأَولاد دون السادسةَ عشْرة. وأَثبتَت ساﭬـينو في مشروعها ضرورةَ حماية القاصرين من فرْض أَهلهم عليهم حِـمْيةً غذائيةً تُعيق نُـموّ أَجسامهم في هذه السن الطرية التي تتطلّب تغذيةً بالزنْك والحديد والأُوميغا 3 وﭬـيتامين ب12 ومُغذِّيات أُخرى بدونها يتعرَّض الولد لفَقْرٍ في الدم واضطراباتٍ عصبية ومَعَوية. وإِذا ثبُت أَن ولدًا توفي بسبَب نقصٍ في التغذية، يُحكَم على الوالدَين بالسَجن سِت سنوات. وبَنَتْ ساﭬـينو رأْيها التشريعي على وفاة طفلين بسبب سُوء التغذية”.

هكذا إِذًا: لحماية أَطفال إِيطاليا من تسَلُّط أَهلهم خطَأً على مغذِّياتهم – وتاليًا حمايةً نَـشْءَ إِيطاليا الجديد – سيُصدِر مجلس النواب الإِيطالي تشريعًا يُــرغم الأَهل على مراقبة أَولادهم والسهَـر على صحتهم.

مما يجري في إِيطاليا أَنتقل إِلى ما يجري عندنا في صفوف النشْء اللبناني الجديد، من تَرْك الأَطفال بين أَيدي العاملات في المنازل، يكبَرون على لُغاتهنَّ وعاداتهنَّ وأَجوائهنَّ، ومن تَرْك الصبايا والشباب يرتادون عُلَبَ الليل والحاناتِ المكتظَّةَ، إِلى سهَراتٍ تبدأُ قُــبَيل منتصف الليل وتنتهي قــبَيل شُروق الشمس، أَو خصوصًا ما نشاهده في المطاعم والمقاهي من صبايا وشباب في مطْلع نشأَتهم راتعين إِلى الطاولات وَحَدَّ كلّ كرسيّ أَركيلةٌ طويلةٌ مطهَّمةٌ متنوعةُ المذاق بين معسَّل ومغسَّل، يَـمجُّـونها بعُمْقٍ وينفُخُون من صُدورهم غُـيومًا من الدخان تُعـبِّـئُ فضاء المطعم أَو المقهى فترشُّ سُمومَها على غير المدخّنين تمامًا كما على مدخِّنيها.

أَمام هذه الظواهر المفْجِعة النتائج، يَنشُب سؤَال مُلِحٌّ: أَين الأَهل من هذا السلوك الـبَـنَـويّ؟ وإِذا القانون عندنا لا يطبَّق لحماية الأَطفال من تَسَلُّط أَهلهم عليهم في الغِذاء، ولا يطبَّق لحماية الشُبَّان والصبايا في المطاعم والمقاهي من سرَطان التدخين أَراكيلَ وسجائر، فمن إِذًا يحمي لبنانَ الغد من كوارثِ ما ينتظره بين شبيبة لبنان اليوم؟

أَقول هذا ولا أُعمِّمه على شباب لبنان فبينهم نماذج طيّبة بين واعِين ومُدركين وناشطين. لكنّ ما نعاينه حَولنا في المطاعم والمقاهي والأَزقّة والحانات والشوارع يدعو إِلى السؤَال عن أَهلٍ غيرِ مسؤُولين تاركين أَطفالَهم على عهدة العاملات في المنازل، وتاركين أَولادهم في عُهدة الأَراكيل وعُلَب الدخان، وتاركين مجتمعَنا في عُهدةِ تفكُّكٍ بدأَت ملامحُه تظهر في بعض العائلات والأَحياء والمواطنين.

وأَخشى أَن يتواصلَ هذا التفكُّك حتى يعادلَ ما في بعض المجتمعات الغربــيّـة من طَلاقٍ وهَجْرٍ وأَولادٍ تُرِكوا في اللامكان فَلَجَأُوا إِلى الإِدمان على ما يغتال صحّتهم وعقولَهم.

وانهيارُ الأَوطان يُسبِّــبــه تَـفَكُّكٌ في مجتمعاتِها، بين أَبرز أَسبابه: تَــيَــهانُ جيـلِـها الجديد.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib