هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1254
بــــين تونس والبرتغال
الأَحد 1 أَيّــــــــــــــــــــــــار 2016

          في عدد هذا الشهر (7 نيسان الجاري) من المجلّة السياحية العالمية ((Tourism Executives التي تصدر في هونولولو (هاواي) مقالٌ مستفيضٌ كتبَـتْـه رئيسة التحرير الدكتورة إِيلينور غارلي بعنوان “4000 سنة وأَكثر في صناعة النبيذ” استهلّتْه بهذه المقدمة: “لو كان لكم أَن تَزُوروا الـﭙـرتغال قبل 4000 سنة، لكنتُم صادفتُم ملّاحين فينيقيــين استعمَروا المتوسط وزرعوا الكرمة في أَرض الـﭙـرتغال”.

                وفي المقال بحث عن جذور منطقة أَلتو دُورُو (Alto Douro) الـﭙـرتغالية مع وثائق من “لجنة الحفاظ على التـراث العالمي” لدى منظمة الأُونسكو في ﭘــاريس، بأَن في تلك المنطقة العريقة من الـﭙـرتغال آثارًا دامغةً على صناعة النبيذ فيـها وأَنَّ بذور الكرمة موجودةٌ في أَرضها منذ الفينيقيين على ما دلّت حفرياتٌ أَثرية في تلك المنطقة.

                هكذا إِذًا: مع الدلائل التاريخية على بلوغ الفينيقيـين أَرضَ إِسـﭙـانيا والـﭘـرتغال، يتَّضح أَنّ النبيذ الـﭙـرتغالي – بين الأَشهر في العالم – جُذورُهُ من كَرمة فينيقيا،أَخذ الـﭘـرتغاليون يصدّرونه إِلى إِنكلتـرا منذ القرن الثاني عشر أَي طويلًا قبل انتشار صناعة النبيذ الشهيرة في فرنسا. وسنة 1756 أَسس الماركيز ﭘـونبال إِحدى أَقدم معاصر العنَب في العالم، من تلك الكرمة التي هي بنتُ أَرضنا.

1-1 2-1

                لا أُورِدُ هذا الكلام تَعَصُّبًا للفينيقيين أَو لإِثبات هُويةٍ تُثير جدلًا بلا طائل، بل لأَقول إِنّ في أَرضنا خيـراتٍ صَدَّرها أَجدادُنا إِلى العالم زراعةً وخبرةً وفكرًا وحضارةً يجدر بنا أَن نكون على مستواها بالحفاظ على حاضرنا كي لا يَخجل منه ماضينا.

                حين كنتُ في تونس قبل سنواتٍ تعرفتُ بأَحد كبار الخبـراء في التاريخ الفينيقي: الدكتور محمد حُسَين فَنْطَر الباحث العلّامة في “المعهد الوطني للتـراث”، وصاحب الكتاب الشهير “آلهة البحر عند الفينيقيين والقرطاجَنِّيّين”، هو أُطروحته للدكتوراه في جامعة السوربون، وحدَّثني بِــإِسهابٍ عن أَمجاد فينيقيا، خاتمًا بقولِه لي: “أُحسُّ كم انكُم تشعرون بالفخر لأَنكم من فينيقيا، أَرضِ أَجدادنا نحن التونسيين الـمعتزّين بأَنّ مؤَسِسَة بلادنا: جدتَنا الأُولى إِليسار هي ابنةُ أَرضكم في صور اللبنانية”.

                هكذا، بين كرمة الفينيقيين في الـﭘـرتغال وجذور الفينيقيين في تونس، تبقى أَرضُنا منارةَ خيرٍ مستدامةَ النُور بين الشعوب.

                هي العودةُ الدائمةُ إِلى الجُذور تُعيدُ الحياة إِلى شعبٍ عريقٍ ذي تاريخٍ عريقٍ عليه أَن يعرف كيف يستمدُّ من تاريخه عِبَـرًا تدفعُهُ إِلى تَخَطي صعوباته الراهنة فيبقى حاضرُه اليوم ماضيًا مشرِّفًا لأَحفاده يوم يلفتون إِلى أَمس آبائـهم مغتبطين بأَنّ بلادهم ليست مساحةً جغرافيةً ضئيلةً بل مسافةٌ وجدانيةٌ عبقريةٌ لـكـل ماضٍ يرنو إِلى توريث أَبنائه ذُخرًا لا يمحوه زمنٌ، ولا يزولُ كما الليل عند شروق الصباح.