هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1250
حين تتحكَّمُ الشخصانيةُ بــالشأْن العام
الأَحد 3 نيسان 2016

          خَبَران من مصر يُشيران إِلى فداحةِ أَخطاءَ جسيمةٍ يرتكبها مسؤُولون يورّطون بلدانهم عكسَ التزامات دولتهم وتوجُّهاتها الدولية.

          الخبرُ الأَول: إِقدامُ وزير السياحة المصري – بِـمُقاربةٍ شخصية في معرض برلين السياحي – على تصوير حالة فقرٍ تاعسة في مصر جَـرّاء ضَعف السياحة، ما بدا استعطافًا في غير مكانه، واستجداءً أَمام جمهور غربـيّ لا تنفَع معه المقاربات الدرامية. وكان الرئيس المصري حازمًا فاستبعدَ الوزير فورًا وعيَّن مكانَه وزيرَ سياحةٍ جديدًا، حاسمًا موجةَ سُخْط على الوزير المستبدَل أَطلقتْها وسائلُ الإِعلام ومواقعُ التواصل الاجتماعي، واستهجنها أَصحابُ الشأْن في القطاع السياحي.

          الخبرُ الآخر من مجلس الأَمن في نيويورك: عند التصويت على قرارٍ ضدّ انتهاكاتٍ جنسية يرتكبها في بعض دول العالم جنودٌ من قوات حفظ السلام، امتنَع مندوبُ مصر عن التصويت واتّهم زميلتَه الأَميركية بغايةٍ شخصيةٍ لها وراء اقتراحها مشروعَ القرار، ما أَثار سُخط الإِعلام المصري على سوء اختيار المسؤُول في المحافل الدولية، أَو على اختيار مسؤُول يورِّط بلاده تجاه المحافل الدولية.

          لا أَدخل هنا في إِجراءات الدولة المصرية، فهي أَثبتت مرارًا حزمها في هذا الشأْن. لكنني أَتوقَّف من هذه الظاهرة عند أَمرين:

          الأَول: ضرورةُ محاسبة المسؤُول عند اتخاذه موقفًا شخصيًّا عوض أَن يتحسّس بمسؤُوليته المهنية لدى حصول حدثٍ في الشأْن العام. فهو – ضمن صلاحيات مسؤُوليته – مسؤُولٌ عن أَيِّ أَذًى يَلحق بشعبه وبلاده. والمثال: ما حصَلَ بعد تفجيرات بروكسيل إِذ استقال وزيرَا الداخلية والعدل بمحاسبةٍ ذاتيةٍ لإِحساسهما بأَنهما مسؤُولان عن حدَث سبَّبَ الأَذى في الشأْن العام ولو انهما غيرُ مسؤُولَين شخصيًّا عن حصول الحدث.

          الأَمر الآخر: شخصانيةُ المسؤُول في اتخاذ قراراتٍ ومواقفَ يُلزم بها بلادَه عكس توجُّهاتها، أَو بدون العودة إِلى مراجعه العليا في الدولة. طبيعةُ المسؤُول مهنيًّا أَن يسائلَه رئيسُه، فهو ليس حُـــرًّا في ارتجال موقفٍ أَو رأْيٍ أَو قرار، لأَنه موظفٌ في دولته أَيًا تكن درجة مسؤُوليته. وليس في أَيِّ دولةٍ مسؤُولٌ خارجَ المحاسبة أَو المعاقبة، إِذ لا يحُقّ له أَن يكون شخصانيًّا فيخلُطَ بين أَفكاره الخاصة ومواقف البلد العامة. هو سيّد مواقفه الخاصة لكنه في مسؤُوليته العامة خادمٌ عند المصلحة الوطنية في بلاده، يدافع عنها ويعكِس توجُّهاتها العامة، وتحاسبُه الدولة عند تخريـبِـه علاقاتِـها مع العالم بِــتَــهَـــوُّرِه وأَخطائِه ومواقفَ يَــتَّخذها بمبادرةٍ فردية، أَو بـــإِيعازٍ من تجمُّعٍ حليفٍ، أَو من زعيم كتلته السياسية، أَو من رئيس حزبه أَو قائد تيّاره.

          هكذا تدمِّرُ الفوضى بلَدًا يفقد فيه المسؤُول ضميره، ويخلط بين الشخصانية الخاصة والخدمة العامة: لا هو يحاسِب نفسه بتقيـيم ذاتـيّ، ولا يحاسبه أَحدٌ بتقييم مهنيّ.

وهكذا يتدَهْور البلدُ وتَــتَــفَــتَّت دولتُه، ولا يعود يُنقذُه إِلّا مسؤُولٌ ذو ضميرٍ يُحاسِب نفسه أَولًا قبل الآخرين، حتى يستاهلَ أَمانةَ أَن يكون مُـمَـثِّــلًا شعبَه في ممارسة الحُكْم وفي الحفاظ على الدولة.