هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1249
كوابـيسُ الناس من أَحلام القراصنة
الأَحد 27 آذار 2016

          لا يَـنام اللبنانـيُّ على هَـمٍّ إِلّا ليستفيقَ على هَـمٍّ آخَر.

          أَشهُـرًا طويلةً مطّاطةً عانى من هدير النفايات في خَوفه، وهو يراقب الـمَسؤُولين يترافَسون المسؤُوليةَ تَـنَـصُّلًا واتِّهامًا، حتى إِذا بلغ أَقصى يأْسَه والقرف، وبدأَت معضلةُ النفايات بالحلحلة – وإِن بعدَ آخر نَـفَس من الصبر-، نام اللبنانـيُّ نافدَ الأَعصاب على أَمل الخلاص من الخطَر، فاستفاق على معضلة القمح الـمُسَرطَن الـمُسَرطِن تسحَق أَعصابه من جديد، وتتركه معلَّقًا على حبلٍ مرتفعٍ مهدَّدًا بِـخطَر السقوط القاتل بين مسؤُولٍ يؤَكِّد وجود القمح القاتل ومسؤُولٍ آخرَ ينفي وجود القمح القاتل ويَصدُر في الإِعلام خبرُ العثور على أَكياس عفِنة من القمح الفاسد.

          ولا يكاد اللبنانـيُّ ينام على مأْزق “الـمُطابقِ الـمُواصفات” و”غيرِ الـمُطابقِ الـمُواصفات” حتى يستفيقَ على فضيحة أُخرى في شبكةِ إِنترنت مقرصَنةٍ غيرِ شرعية تنخُر مفاصل المجتمع اللبنانـيّ وتقُضُّ راحته وسلامته.

          وهكذا من فضيحةٍ إِلى معضلةٍ إِلى مشكلةٍ إِلى عُـقْدة، يتنقَّل اللبنانـيُّ من صُداعٍ إِلى صداع، فيُمسي خارجَ التوازن: بين دولةٍ غائبةٍ ودولةٍ ذائبةٍ ودولةٍ دائبةٍ على إِلْـهائِه عن مُعضلاتٍ أَساسية تهدِّد كيانَه وكيانَ وطنه ومستقبلَ أَجياله في بلدٍ ما زال يجهل متى يَستعيد رأْسَه فتستعيدُ جمهوريتُه رئيسَها، ومتى ينتهي الفِصام السكيزوفرينيّ بين الوزارات فلا تتَّهم الواحدةُ الأُخرى بوزيرها، ومتى يَبْطُل مجلس النواب أَن يكون منبرَ متاريسَ لاتهاماتٍ وتصاريحَ وابتساماتٍ يوزِّعها على الشعب نوابٌ يَسْكرون بكاميرات التلـﭭـزيون فَـتَـتَـفَـتَّـقُ عبقرياتهم عن تنظيراتٍ لم تَعُد تُقْنِع أَحدًا لافتضاحِ أَنهم ينفِّذون سياسَة الإِلْـهاء عن المعضلة الأُم.

          وبين أَنظمةٍ رأْسمالية وأَنظمةٍ شيوعية وأَنظمةٍ اشتراكية وأَنظمةٍ توتاليتارية وأَنظمةٍ ديكتاتورية وأَنظمةٍ ملَـكية وأَنظمةٍ جمهورية، يصُحُّ أَنّ لدينا نظامًا إِلْـهائيًّا موهوبًا بِـحَـرْف انتباه المواطنين عمّا يَـجري في كواليس السياسيين من خياطةِ ثوبٍ للوطن لم يَدْرِ أَحَدٌ بعدُ ماذا سيَكون، وكيف سيَكون، ومَن يرتدي ماذا، وإِلى متى هذا النزْفُ في لبنان الاقتصاديّ ولبنان السياحيّ ولبنان المالـيّ وسائرِ مَا يُهَدِّد وطنَنا المصلوب على ضمائرِ مَن يتحلّى معظمُهم بكلّ شيءٍ إلّا بالضمير.

          إِلْـهاءٌ بإِلْـهاء، ويَـمضي اللبنانـيُّ بين صباحٍ ومساء متلهِّيًا بمسائِلَ يوميةٍ ومشكلاتٍ أُسبوعية تستهلِكُ حَكي الصالونات وأَعمدةَ الصحُف وشاشات التلـﭭـزيونات بين برامجَ وتحقيقاتٍ و”تُوكْشُوَات” يَسهر عليها المواطنون فتغتال أَحلامَهم قبل أَن يَـخْلُدوا إِلى النوم.

          إِلْـهاءٌ بِــإِلْـهاء، وقراصنةٌ يَنهَبُون يوميات الناس ليُـمرِّروا مخطّطاتِهم ومؤَامراتِهم وصفقاتِهم ويُحرقوا الجسور ويدمِّروا الكيان ويَسلُبوا الأَمل، فلا تبقى من أُمنيات الناس سوى: “أَعطِنا خبزَنا كفافَ يومِنا بِدون قمح فاسد”، ويظَلُّ يومُهم مجهولَ الفجر والصباح.

          أَسْوأُ ما في الأَنظمة الإِلْـهائية: أَن يُهيمنَ القراصنةُ على الأَحلام فيقتلُوها.

وأَسْوأُ الأَسوأ: أَن يتولّى مصيرَ الناس قاتلو أَحلامٍ يَـنسجون صباحاتِهم هُم دون صباحات الناس.

وأَوجعُ الأَقدار أَن يُـحْــرَمَ الناسُ من أَحلامهم فلا تَبقى لهم سوى… الكوابيس في بلاد القراصنة.